Sunday, March 2, 2008

PENDEDAHAN: Pakatan 'Isa al-Humairiy dan Mahmud Sa'ied Mamduh Memalsukan Hadith Yang Didakwa dari Musannaf 'Abdul Razzaq

Di bawah ini pendedahan daripada al-Syeikh Muhammad Ziyad bin 'Umar al-Tuklah tentang pakatan tersebut. Dan al-Hamdulillah akhirnya al-Syekh Mahmud Sa'ied Mamduh mengakui kesilapannya dan berlepas diri dari bahagian kitab yang didakwa dari Musannaf 'Abdul al-Razzaq tersebut. Pengakuan dari Syeikh Mahmud Saied Mamduh akan disertakan kemudian.
----------------------------------------------------------
دفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وسنّته المطهرة
وكشف تواطؤ عيسى الحميري ومحمود سعيد ممدوح على وضع الحديث

(تفنيد القطعة المكذوبة التي أخرجاها ونسباها لمصنف عبد الرزاق)

بقلم
محمد زياد بن عمر التُّكْلة
عُفي عنه



الكتابة الثانية
مزيدة ومنقحة
13 محرم 1427


بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يَهْدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى لما ختم الشرائع برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأتم نعمته علينا، ورضي الإسلام للناس دينا: لم يترك دينه هملاً، بل حفظ هذا الدين من التحريف والتبديل، فحفظ كلامه المنزل: القرآن الكريم، فلا يُزاد حرفٌ فيه ولا ينقص.
وحفظ سنة نبيّه صلى الله عليه وسلم، فجعل الكذب عليه من أعظم الموبقات، ففي الحديث المتواتر: (من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)، وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن كذبا عليّ ليس ككذب على أحد).
وسخّر الله للسنّة عبر الأزمان نخبة الأمة في الديانة والعلم والعقل، تنفي عنها كذب الكاذبين، بل وأوهام الصادقين، فلا يمكن أن يسري حديثٌ يُنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولا يثبت عنه إلا بيّنوه وحذروا منه، عبر قواعد متينة هي غاية ما بلغه العقل البشري من طرق التوثيق والتحقيق.
وما زال أهل الباطل على أنواعه يحاولون الدسّ في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لنصرة أهوائهم الباطلة، أو لدعوة الناس للزندقة، فما أسرع أن ينكشفوا ويفضحهم الله عز وجل، وينقلب إليهم بصرهم خاسئا وهو حسير.
وقال سفيان الثوري: لو همّ رجل أن يكذب في الحديث وهو في جوف بيت لأظهر الله عليه.
وروي معنى ذلك عن عبد الرحمن بن مهدي وابن معين وغيرهما.
وقال سفيان بن عيينة: ما ستر الله عز وجل أحداً يكذب في الحديث.
وثبت عن ابن المبارك رحمه الله أنه سئل: هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة، ثم قرأ: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
* * *
واقتداء بمنهج أئمة الحديث في كشف الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، ودفاعاً عن السُّنّة، ونُصحاً لعموم الأمة؛ كانت كتابة هذه الكلمات، مستعيناً بالله سبحانه، سائلاً إياه الأجر والمثوبة.
* * *
فقد صدر مؤخراً كتابٌ كُتب عليه: "الجزء الأول من المصنف للحافظ الكبير أبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني"، بتحقيق عيسى بن عبد الله بن محمد بن مانع الحميري، وتقديم محمود سعيد ممدوح، الطبعة الأولى 1425هـ-2005م، دون ذكر للناشر، في مجيليد في 105 صفحات، منها 44 صفحة لمتن الكتاب.
وبتأمل الكتاب يتبيّن جلياً أنه كتاب مكذوب مفترى؛ أُلصق زوراً وبهتاناً بالحافظ عبد الرزاق رحمه الله، وإنما افتُعل ونُشر لما في متونه من آراء منحرفة وأباطيل مدسوسة، مثل إثبات أولية النور المحمدي، وجملة خرافات أخرى.
أما الأسانيد فقد رُكِّبت كيفما اتفق لتبدو كأنها من رواية عبد الرزاق فعلا، ولكن الممارس لكتب الحديث يعلم بطلانها وتركيبها بمجرد النظر، كيف إذا قرن معها المتون المنكرة ذات المخالفات الشرعية والتراكيب الأعجمية؟ ودرس النسخة المزعومة للكتاب؟
وإزاء ذلك فقد وجب كشف هذا الكذب الصراح؛ الذي فيه تشويه صورة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، والدسّ في دينه ما ليس منه، والله المستعان.
مع العلم بأن جميع من عرفتُه علم بالكتاب جزم بوضعه، مثل الشيخ سعد الحميّد، والشيخ عبد القدوس محمد نذير، والشيخ خالد الدريس، والشيخ عمر الحفيان، والشيخ بندر الشويقي، والشيخ صالح العصيمي، والشيخ أحمد عاشور، والشيخ سعد السعدان، والشيخ عبد الوهاب الزيد، وغيرهم.
* * *
وقد كنتُ كتبتُ كتابة أولية عن هذا الكتاب المزعوم في ملتقى أهل الحديث على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، وكانت تلك الكتابة خلال يومين لغرض سرعة تحذير الناس من الكتاب أول نزوله الأسواق، اعتمدت فيها على القرائن المبينة لكذب الكتاب، وقسمتُ الكتابة إلى قسمين رئيسين: نقد المخطوط المزعوم وما يتعلق به، ونقد متون وأسانيد الجزء.
• ثم كانت هذه الكتابة الثانية بعد أن وصلتني معلومات مهمة عن ملابسات خروج الكتاب من أحد القريبين للقائمين عليه، وإفادات وملاحظات أخرى من غيره، فكانت كتابتي هذه مزيدة ومحررة، ناسخة للأولى، وسأبقى أزيد وأنقح فيها -إن شاء الله- ما زادت لديّ المعلومات والفوائد حول الموضوع، وأدعو الغيورين على السُّنّة للمشاركة والمساهمة في الكشف عن هذه الجريمة؛ لا حرمهم الله الأجر والمثوبة.
كما أنني أشكر جميع المشايخ الذين أفادوني ببعض الفوائد المتعلقة بالموضوع، سائلا الله أن يجزيهم الخير على نًصرتهم لسُنّة الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه.
اللهم انصر دينك، وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك الصالحين.

وكتبه محمد زياد التكلة
حامداً مصلياً مسلّماً
الرياض، ليلة الأحد 13 المحرم 1427


الكلام على الأصل المخطوط
قصة هذا المخطوط:
إن مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني -المتوفى سنة (211) رحمه الله تعالى- من أهم وأقدم وأكبر مصادر السنّة النبوية، ويحتوي على عدد كبير من الأحاديث المرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وعدد أكبر من الآثار عن الصحابة والتابعين.
وقد طُبع هذا المصنف كاملاً بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي عن عدة نسخ خطية، وهي بمجموعها تكمّل الكتاب إلا قليلا من أوله ووسطه، فيبدأ الكتاب من باب غسل الذراعين من كتاب الطهارة، ويظهر أن السقط أول الكتاب لا يتعدى الورقة أو الورقتين، وفرح أهل العلم عامة، وأهل الحديث خاصة: بظهور هذا الكتاب العظيم للاستفادة منه.
أما غيرهم من أهل الأهواء فكان يهمهم من خروج الكتاب شيء آخر! ألا وهو البحث عن حديث مكذوب عُزي خطأً لمصنف عبد الرزاق، ألا وهو حديث: "أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" بطوله، فظنّوا -لجهلهم بالسُّنّة وكتبها- أنه يُمكن أن يكون الحديث في المصنّف فعلا! وبالطبع فلم يجدوه فيه!
ولما لاحظوا وجود السقط اليسير في أول المصنف المطبوع، تعلقوا بالأماني وأن يكون حديثهم في القدر الساقط من المصنف! وكأن حديثهم سيكون في أبواب الطهارة وإزالة الحدث! وبحثوا عنه في شتى خزائن المخطوطات العالمية دون جدوى.
• من هنا ارتأى بعض من هانت عليه نفسه من أهل الأهواء أن يستغل وجود النقص، ويكمله بما يناسب هواه! وكان من ذلك: الحديث المكذوب المذكور آنفا، فدسّه وغيره من الأباطيل في الكتاب على أن ذلك من القدر الساقط منه!
ولما فرغ من وضعه أعطاه لمن يروج عنده ذلك الكذب والهوى، ألا وهو عيسى مانع الحميري(1)، فما أسرع أن انطلى عليه وتبنّاه، وكان ذاك الحديث الموضوع هو السبب في إخراج الحميري للكتاب!
فقال أول مقدمته (ص5 و6): "فقد كثر الجدل حول صحة حديث جابر، ذلك الحديث الذي ضمنه كثير من أهل السير كتبهم وعزوه إلى مصنف عبد الرزاق مجرداً عن الإسناد، وقد اجتهد ساداتنا أهل العلم.. في البحث عن حديث جابر في مظانه المختلفة".
وذكر أنه كلّف أناساً بالبحث عن تتمة الكتاب في مكتبات تركيا، كما بحث الباحثون في اليمن؛ دون جدوى، ثم قال (ص6 و7): "وقد بات هذا الأمر شغلي الشاغل، أبحث عنه هنا وهناك، مع الدعاء المتواصل في الأيام المباركات، وفي مهابط الرحمات، مع عباد الله الصالحين، وبالأخص عند النبي الكريم، صلى الله عليه وآله وسلم في الروضة المباركة، والمواجهة الشريفة، حتى أتحفنا الله بالعثور على تلك النسخة اليتيمة، أو بالأحرى الجزء الأول والثاني من مصنف عبد الرزاق، على يد أحد الصالحين من بلاد الهند، وهو أخونا في الله الفاضل الدكتور السيد محمد أمين بركاتي قادري حفظه الله".
ثم قال: "ومن توفيق الله عز وجل أننا عثرنا في هذه النسخة على حديث جابر مسنداً.. وتبين لنا بعد ذلك صحة الحديث الذي يرويه عبد الرزاق عن معمر عن ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سألت رسول الله عن أول شيء خلقه الله تعالى، فقال: هو نور نبيك يا جابر.. الحديث.
فثبت لدينا بأن سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أول مخلوق في العالم (!) أي أول روح مخلوقة، وآدم أول شبحية مخلوقة، إذ أن آدم مظهر من مظاهره صلى الله عليه وآله وسلم، ولا بد للجوهر أن يتقدمه مظهر، فكان آدم متقدما بالظهور في عالم التصوير والتدبير، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مقدما في عالم الأمر والتقدير، لأنه حقيقة الحقائق، وسراج المشارق في كل المغارب! وما حديث جابر إلا تفسير لآية المشكاة..."! انتهى كلام الحميري.
فأقول: لما عُرف السبب بطل العجب! وهكذا مدخل الاتحاديين، فمحمد صلى الله عليه وسلم (عندهم) هو النور الأولي المخلوق، وهو نور كل شيء؛ ومن ذلك السماوات والأرض، وهو تفسير آية المشكاة (الله نور السماوات والأرض)!! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيراً.
وحاول الحميري أن يضفي الثقة على نسخته، مادحاً لها أنها أدق من المطبوع، وساق على ذلك بعض الأمثلة.
الحاصل أن المعلومات المذكورة في مقدمته والتي تهمنا عن المخطوط هي ما يلي:
1) أن المخطوط وُجد في الهند على يد أحد مشايخ القادرية (البريلوية) المعاصرين.
2) وأن الحميري تملك هذه النسخة، وأن محمود سعيد ممدوح رآها في خزانته.
3) وأنه كُتب عليها أنها نُسخت ببغداد سنة 938 على يد إسحاق بن عبد الرحمن السليماني.
4) وأن الناسخ متقن، بدليل زعم الحميري أن نسخته أدق من المطبوعة.
5) وأن الحميري قارن بين خطها وخطوط القرن العاشر ودقق وحقق فوجدها مطابقة لها.
6) وأنه لا سماعات ولا إسناد على النسخة.
7) وأن في المخطوط زيادة عشرة أبواب عن المطبوع في أوله، وهي: باب في تخليق نور محمد صلى الله عليه وسلم، وتسعة أبواب في الوضوء.
هذا ما أفاده الحميري عن نسخته، ولكن هناك أشياء كتمها عمداً، وكشفها الله على يد أحد عارفيه، كما سيأتي.

شهادة ذهبية من الشيخ الكَمَداني:
الشيخ أديب الكَمَداني أحد المشتغلين بعلم الحديث ومخطوطاته في دمشق، وله رسائل وتحقيقات حديثية، وهو أبرز أصحاب الشيخ فريد الباجي التونسي، انتقل منذ سنوات للعمل باحثاً شرعياً في أوقاف دبي، وإماماً وخطيباً في بعض مساجدها، فكانت له صلة عمل مباشرة مع الحميري قبل أن يُطرد الأخير من رئاسة أوقاف دبي.
وكان وصلني عنه طرفٌ من أخبار المخطوط عبر أحد أصحابه وأصحابنا من طلبة العلم البارزين في دمشق، ثم يسّر الله التحدث معه مطولاً عبر الهاتف من منـزل صاحبنا المشار إليه، وكان في المجلس غيرهما من طلبة العلم، وذلك ليلة الجمعة 11 محرم 1427.
فحدثني الشيخ أديب عن المخطوط، وكان مما أخبرني (وروايتي بالمعنى): نظراً لشغف الحميري وولعه الشديد بحديث النور، وسؤاله عن مخطوطات مصنف عبد الرزاق؛ أحب بعض من لا خلاق له من بريلوية الهند أن يُتحفه به، فزوّر المخطوط، وأرسل له مجلدين منه، ولما وصل المخطوط من الهند فرح الحميري به فرحاً شديداً، وأولم لأجله وليمة كبيرة!
وعرض الحميري المخطوط على الكمداني ومحمود سعيد ممدوح، فأصر الأول على أنه مفترى، وقال إنه موضوع حديثاً جداً بالنظر لورقه وخطه، فضلا عن المتون التي فيه بتلك الأسانيد، وقال لي الشيخ أديب: إنني لا أعطي للمخطوط عمراً أكثر من سنتين أو نحو ذلك! وكان الحميري مصراً على استبعاد مسألة الوضع، أما ممدوح فكان يحاول إرضاء الاثنين والتوفيق بينهما!
وقال لي الشيخ أديب إنه طلب من الحميري أن يقوم بفحص المخطوط في مركز جمعة الماجد في دبي لتأكيد حكمه بالتزوير، ونظراً لحداثة كتابة المخطوط فقد طالب الحميري أيضاً أن يطلب ممن أحضر له المخطوط أن يذكر له الأصل المنسوخ منه، فلما سئل أجاب: إن مخطوطه نُسخ من مكتبة في الاتحاد السوفييتي، واحترقت المكتبة في الحرب!!(1) ثم طالبهم بتكملة المصنف الذي أرسلوا منه مجلدين فقط، فلم يردوا عليه! وطلب الشيخ أديب من الحميري صورة من المخطوط فأبى الحميري.
وقال الشيخ أديب إن هذا الكلام كان سنة 2001 بتقويم النصارى تقريباً، وبعدها أُخرج الحميري من الأوقاف، فلم يلتق معه بعدها إلا مرتين أو ثلاثة، وأرسل له أخباراً في أن يقوم بتخريج الكتاب له، وقابلها بالرفض، ثم رأى الكتاب مطبوعاً سنة 2005م.
ويرى الشيخ أديب أن الحميري ليس له علاقة مباشرة في تزوير المخطوط، وأنه كان يجهل وضعه ذلك الوقت، بخلاف محمود سعيد ممدوح!
وقلت للشيخ أديب: هل تأذن لي بنقل هذا الكلام عنك، وهل تخشى أن يصيبك حرج في ذلك؟ فقال: أنا مسؤول عن كلامي هذا، ولا مانع من نقله عني، وإن شئت كتبتُ لك إفادتي خطياً، لأن التحرير أضبط في العبارة من المذاكرة.
فهذا ما ذكره لي الشيخ أديب، جزاه الله خيرا على موقفه الشجاع هذا وإفادته وإبرائه لذمته، وأسأل الله أن يسدده ويوفقه لما يحب ويرضى.

هل كان الحميري ومن معه يجهلون حال الكتاب؟
هذا سؤال مهم بعد معرفة ما سبق، وما يلحق من كلام على أسانيد ومتون الكتاب، ووجود جماعة من أهل العلم من أيام السيوطي إلى يومنا صرّحوا أن حديث جابر في النور (على الأقل) لا إسناد له، بل هو كذب مفترى.
لقد حاول الشيخ الكمداني كثيراً ثني الحميري ومن معه عن إخراج الكتاب، وأعلمهم بحاله، ولكن الحميري أبى إلا أن يخرجه، فماذا يسمى هذا؟
نعم، أفاد الشيخ الكمداني أن الحميري كان يجهل حال الكتاب وقت وصوله إليه، فهل استمر ذلك الجهل عند الحميري من ذلك الوقت إلى خروج الكتاب، وهو أربع سنوات على الأقل؟
يظهر لي بجلاء أن الجواب: لا! لماذا؟
لأن الحميري لو كان جاهلا به لأخرجه كما هو، دون مقدمة كلها إصرار متعمد على تمشية الكتاب، ولذكر ما له وما عليه في الكلام على حديث النور، وهو يعلم كلام أسياده الغماريين عن الحديث! لكنه كتم كل ما يشوش عليه أمره، بل ردَّ على من تكلم على حديث النور! ولبّس في ذلك ودلّس.
فأقول بصراحة إن الحميري شريك في جريمة وضع الكتاب، لأنه علم أن الكتاب منسوخ حديثاً، وأنه مستنسخ عن نسخة في الاتحاد السوفييتي السابق فيما زُعم، ومع ذلك لم يذكر هذا في مقدمته مطلقا، مع أن الناسخ كتب أنه نسخ الكتاب سنة 933 من الهجرة! وهذا كافٍ لوحده في كشف تزوير النسخة وإسقاطها، وإسقاط من عَلِم بذلك ودلّسه على الناس، بل ذهب الحميري أمراً أبعد من ذلك في سبيل تسوية أمر النسخة، فمع علمه بما سبق أخذ يدلّس ويزعم في مقدمته أن المخطوط من خطوط القرن العاشر فعلا، ويعقد المقارنة الفاشلة بين مخطوطه المزور وغيره من نماذج خطوط ذلك القرن! فمعنى ذلك أنه عالمٌ بأمر النسخة وعيوبها الفاضحة لها، وإلا لما احتاج أن يتستر على تلك العيوب ويكتمها عمداً، ثم يدلّس ويسوّي أمر النسخة.
ولا فرق عند علماء الحديث بين من وضع ابتداء، وبين من سرق هذا الموضوع وروّجه عالماً به، فكلاهما يحكمون بأنه كذاب!
حتى لو لم يكن يعلم الحميري بتزوير الكتاب (وهو عالم!) فواجبه أن يتثبت في نشر الحديث، للأمر النبوي والوعيد الشديد فيه، أما أن يُعرَّى حال الكتاب أمامه ويُعلَّم ويُلَقَّن كيف يفحص المخطوط، ثم يعاكس ذلك كله فهذا الصنيع أخو الكذب والوضع الأصلي، وهو تواطؤ مع الواضع.
إن أمامَنا تسلسل في عملية التدليس والتلبيس بحال الكتاب قبل إخراجه، بدأت من وجوده عند طائفة متهمة وهي البريلوية(1)، وليس في مكتبة معروفة، وفي بلد تتبع فيها مشايخها المعتنين بالحديث نسخ الكتاب منذ زمن أنور الكشميري إلى تلميذه الأعظمي (كما في مقدمة المصنف الحقيقي!)، ثم تملك الحميري الكتاب المزور، وإعلامه بتزوير المخطوط وكذب ما فيه، وثبوت ذلك بعد قليل من السؤال (عبر قصة نسخه من مكتبة احترقت في الاتحاد السوفييتي، بينما كُتب أنه نُسخ سنة 933!)، ومع هذا حاول الحميري جاهداً صرف النظر عن عوار النسخة بأمور لا تنطلي إلا على أمثاله، وطوّل النقول (وغالبها عن الغماريين) في مقدمته (ص36-50) في أن غرابة المتون وركاكتها لا تقتضي الوضع والنكارة، بعد ذلك تهيأ للحميري تصحيح موضوعات الجزء، وقد فعل، فصحح؛ واستدل؛ واعتقد؛ ونشر؛ ودعا!!
وما دام أن الحميري ناشر هذا الكذب؛ ومُخرجه للناس؛ والملبّس عليهم بصحته؛ فهو يتحمل تبعته، ويجده في صحيفته إن شاء الله، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
فلا يُستغرب أن كتب الحميري على غلافه الداخلي: "جميع الحقوق محفوظة للمؤلف"، فهل مؤلفه صاحب الحقوق عبد الرزاق أم ...؟!
• ومن صور تدليس الحميري أن يكتب على غلاف الكتاب الداخلي أنه طُبع سنة 1425هـ ويؤكده بالتاريخ النصراني 2005م، والواقع أن الكتاب طُبع حديثاً آخر سنة 1426، بدليل مقدمة ممدوح المؤرخة في 22 ربيع الآخر سنة 1426!! وتاريخ نزول الكتاب للأسواق!

تواطؤ محمود سعيد ممدوح في الجريمة:
إن أعمال الحميري في إخراج الكتاب تذكرنا بالمثل (كاد المريب أن يقول خذوني)، فاحتاج إلى من يتابعه حتى لا ينفرد بالجناية، ولم يجد لهذا الأمر المهين سوى محمود سعيد ممدوح المصري، فكتب هذا مقدمة للكتاب (ص3-4)، الشاهد منها هو قوله إن صاحبه الحميري: "تحصّل على القسم المفقود من المصنف، وقد رأيتُه في مكتبته مخطوطاً، وقد وصف الشيخ المخطوط في تحقيقه بما يُثبت الثقة فيه.. فجزاه الله تعالى خيراً وأحسن إليه، وشرح صدره لكل عمل صالح، وهو جهدٌ يُشكر عليه، فلله درّه".
متابعة تامة في إثبات النسبة لعبد الرزاق، وأن المخطوط المزور ثبتت الثقة فيه، وأن عمل الحميري جهدٌ مشكور يُوافقه عليه! ولله درّه!!
من الممكن تصديق أن الحميري جاهل بالحديث ولا أسهل من انطلاء كتاب موضوع عليه، أما محمود سعيد ممدوح؟ فلا وربّي إن مثل ذلك لا يخفى عليه، كيف وهو يقدّس ويغلو في أشياخه الغماريين وآثارهم، وهناك رسالة مستقلة لشيخه عبد الله الغماري في إبطال حديث جابر في النور المحمدي، وأن نسبته لمصنف عبد الرزاق كذب؟!
كان على ممدوح أن ينأى بنفسه عن إسقاط نفسه وترويج هذا الكذب الصراح ونسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم -فضلا عن عبد الرزاق- مقابل ارتزاق دريهمات من ربِّه في العمل!!
وقد قال الإمام الشافعي -الذي يزعم ممدوح تقليده- عن حديث "من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين": إذا حدّثت بالحديث فيكون عندك كذبا ثم تحدّث به فأنت أحد الكاذبين في المأثم.
ولا يخفى ممدوح(1) ما هو مأثم الكاذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا صاحبُه الحميري، ولكنه الهوى المُردي والإغراق في الضلال، والعياذ بالله.
نسأل الله أن يعصمنا من الهوى والضلالة، وأن يحفظنا من الموبقات والمهلكات، وأن يرزقنا اتباع السنّة والعمل بها ونصرتها، إنه سميع مجيب.

كشف علل المخطوط على ضوء ما ذكره الحميري نفسه:
كنتُ قد بيّنتُ كذب المحطوط عبر القرائن في كتابتي الأولى، وذلك قبل علمي بالمعلومات المفصّلة من الشيخ الكمداني التي فيها النص والتصريح بحاله، ومع ذلك فأرى من الضرورة إثبات القرائن التي ذكرتُها مع بعض التنقيح، لأنني لا آمن من مجرمين مثل الحميري وممدوح أن يكذّبا الشيخ أديب فيما ذكره، ويستخدما شتى ضروب التلبيس والتدليس في دعم جريمتهما، فمن استحل الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواطأ عليه فلا يُستبعد عليه إطلاقا الكذب على الناس، وقد رأيتُ بعض ذلك من محمود سعيد ممدوح -على الأقل- في بعض حواراته في شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت)، فهذه القرائن ذكرتُها على ضوء ما أورده الحميري نفسه في كتابه!
أقول مستعينا بالله:

أولاً:
إن تفرد نسخة الكتاب ما بين قادرية الهند والحميري كافٍ للتشكيك بمصداقية الكتاب، لأن طائفة القادرية هناك (وهي البريلوية) من غلاة الطرقية الذين يعتقدون ويدعون لأولية النور المحمدي، ولما عرضتُ الكتاب على الشيخ المحدّث المحقق عبد القدوس محمد نذير الهندي قال: ما دام الكتاب خرج من عند قادرية الهند فلا شك أنه من عمل أيديهم، فهم يمتحنون الناس في هذه المسألة عندنا، وهي من أسس دعوتهم واعتقادهم، ومن أبرز ما يخالفون فيه، هم وأصحاب الطريقة الجشتية.
قلت: هذا الاعتقاد الردي يشاركهم فيه الحميري، فقد سوّد كتاباً مستقلاً في هذا الشأن أحال عليه في مقدمة الكتاب وتعليقاته المظلمة مراراً، بل صرّح أنه لم يدفعه لإخراج الكتاب إلا هذه المسألة.
ومن العجب تتبعه لهذا الحديث مع تضافر أسياده قبل غيرهم على أنه كذب!
وصدق شعبة إذ قال: لا يجيء الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ.
وإنني أؤيد كلام الشيخ عبد القدوس في أن واضعه هندي معاصر، لما سيأتي.

ثانياً:
إن المخطوط مزور، وليس من كتابات القرن العاشر -وإن كُتب عليه ذلك، وجاهد الحميري لتثبيته- فمن الواضح للعارف أن كاتبه خطاط معاصر هندي، وخطه من جنس خطوط الطبعات الحجرية في القرن الماضي في الهند، وطريقة كتابة الحروف تؤكد ذلك، مثل الياء آخر الكلمة (مثل كلمة الزهري)، وكلمة (الطاؤس)، و(الملئكة)، هذا في الصفحة الأولى التي أوردها الحميري (ص18) ويمكن النظر فيها في النموذج المرفق.
وفي الصفحة الأخيرة التي أوردها الحميري (ص22): تلاحظ كتابة الهاء آخر الكلمة (مثل: مثله، الآية، عليه)، والحاء المقطوعة آخر (نجيح)، والغين المقطوعة آخر (الفراغ)، وهذه هي الطريقة الشائعة في الكتابة عند الهنود، ومن عنده مصحف من تلك المصاحف الباكستانية والهندية التي كانت منتشرة قبل اشتهار نسخة عثمان طه سيشاهد الخط نفسه، وقال لي الشيخ عبد القدوس نذير الهندي لما رأى الخط: هذا خط هندي معاصر. وكذلك قال لي الشيخ عمر بن سليمان الحفيان -وهو درس ماجستير علم المخطوطات في معهد المخطوطات في القاهرة- وغيرهما.
أما الحميري فأراد صرف النظر عن ذلك بالتأكيد أن ذلك الخط هو خط القرن العاشر، وأورد ثلاث نماذج لذلك، ولا يسلّم له ذلك إطلاقا، فالمخطوط كُتب بخط مقارب بين النسخي والثلث، وكاتبه خطاط، وغاية الأمر أن النماذج التي أوردها مكتوبة بخط نسخي وكتبها خطاطون أيضا، فلا غرابة أن تتشابه بعض طريقة الكتابة والخط مقارب على يد خطاطين يمشون على القاعدة، ولكن يرد عليه أن الخط النسخي قد استقرت قواعده على يد حمد الله الأماسي (ت922)، الذي قام بإدخال الإصلاحات النهائية على خطي النسخ والثلث فأضفى عليهما جمالاً باهرًا هو ما نشاهده هذه الأيام، ومع نهاية هذا القرن أصبح الخط مستقرًا، وعليه فإن خطوط القرن العاشر في النسخ والثلث لا تختلف عن خطوطنا نحن اليوم، فلماذا يتحكم الحميري في أن خط المخطوط هو خط القرن العاشر فقط؟
ثم لدينا نماذج كثيرة جدا من خطوط ذلك القرن ليست بالخط النسخي ولا الثلثي أصلا ولا تشبه الخط بتاتاً، فماذا يقول عنها؟
فكان على الحميري أن يكتفي بذكر تاريخ النسخة المثبت بآخرها ويسكت عن دعوى المقارنة ما دام أنه يثق في نسخته، إلا أن علمه بأن فيها ما يريب حمله على ما فعل!
• هذا ما كنتُ سطّرتُه في كتابتي الأولى، أما الآن فقد تبين أن المخطوط حديث النسخ، أفاد الشيخ الكمداني أنه رآه بورق حديث وخط طري! وأنه لما طولب واضعه الهندي بأصل نسخته أفاد أنه استنسخها من مكتبة بالاتحاد السوفييتي، وأنها احترقت! فبطل أمر المخطوط أصلاً، وبان كذب ما جاء فيها أنه نُسخت سنة 933 في بغداد!!
ويأتي مزيد أدلة على أن الواضع هندي عند الكلام على متون الكتاب.
وهذه صورة المخطوط المزعوم:





ثالثاً:
أما إتقان الناسخ فادعاء غير صحيح، ولا يصدَّق الحميري في زعمه ونقله بشكل عام؛ وفي هذا خصوصاً، وأمامنا من نسخته -التي زعمها متقنة- صفحتان مصورتان فقط، وأربعون حديثا هي عدد أحاديث المطبوع، وبغض النظر عن مسألة الكذب نجد في الحديث الأول أنه أخطأ في اسم الصحابي الشهير السائب بن يزيد رضي الله عنه، فكتبه ابن زيد، وفي الحديث الثاني قال ابن جريج (من أتباع التابعين): أخبرني البراء الصحابي! فأين الإتقان وهذه البداية؟
ومن أدلة قولي إن الحميري لا يصدّق في نقوله أنه يغيّر ما في المخطوط (المتقن بزعمه) من عنده! ففي الصفحة الأولى من المخطوطة التي أوردها (ص18): (فسجد خمس مرات، فعُبِّدت علينا تلك السجدات)، فكتبها الحميري في المتن (ص53): (خمس مرات، فصارت علينا)، ولم يُشر إلى تغييره! لعله إخفاء لعُجمة التركيب في الأصل! وعلى كل حال فهذه خيانة في التحقيق لم يظهر لنا منها إلا من القدر اليسير الذي أظهره، فكيف بما خفي علينا ولم يورده؟!
وفي حديث جابر في النور (رقم 18) غيّر من أصله المتقن (؟!) وأثبت من نقل قدوته وإمامه محيي الدين بن عربي الحاتمي للحديث!
وفي أول الكتاب وضع عنواناً من عنده: كتاب الإيمان! ولا أصل لذلك لا واقعاً ولا عقلاً، فمتى سمع الناس أن مصنفا يذكر (كتاباً) فيه (باب واحد) فقط، وهو باب تخليق نور النبي صلى الله عليه وسلم؟! ثم هذا محله لو كان يفهم في كتاب الشمائل، لا الإيمان!
كما أن الحميري أقل من أن يفهم معنى الإتقان، وهو يقول عن سند ابن جريج أخبرني البراء (ص55): ابن جريج حافظ ثقة، وكان يدلس، وقد صرّح هنا بالإخبار؟!
وله أمثلة أخرى من تعليقاته الصارخة بجهله في العلم، فأنَّى يصدَّق في ما يدّعيه؟ والنسخة إنما هي عنده وليست في مكتبة عامة؟ ورفض تصويرها لمن هو قريب منه، فكيف لأعدائه؟
فضلا أن القدر الضئيل الذي أخرجه من الكتاب مليء بالأخطاء في النص كما يذكر الحميري نفسه في تعليقاته! ولله في خلقه شؤون.

رابعاً:
ومما يدل على عدم الثقة في النسخة أنه لا سند لها ولا سماعات عليها، بخلاف المفترض لكتاب كهذا، مع أن الناسخ لما كتب الكتاب كتبه على الطريقة التي ينبغي فيها وجود سند، لأنه يقول عند كل حديث: عبد الرزاق، عن فلان وفلان، ولو كان نسخاً مجرداً للكتاب لما احتاج أن يذكر عبد الرزاق في كل إسناد.
• كما أن في النسخة تسمية الناسخ إسحاق بن عبد الرحمن السليماني، وأنه كتبه في بغداد سنة 933 من هجرة سيد المرسلين وأكمل الخلق أجمعين صلى الله عليه وسلم في بغداد المحروسة.
فأقول: لم تجر العادة بالنص على التأريخ الهجري إلا في آخر أيام الخلافة العثمانية، لما بدأ ينتشر تأريخ النصارى، وإلا فقد كان المعتاد أن يكتب التاريخ مجردا عن الإضافة للهجرة، ولهذا الموضوع كلام طويل نبّه عليه الشيخ تقي الدين الهلالي رحمه الله، ومن بعده المشايخ: عبد الرحمن الباني، ومحمود شاكر المؤرخ، وبكر أبوزيد حفظهم الله، وغيرهم.
• وكذلك فإن من الغريب أن يُكتب المصنف ببغداد -في ذلك الزمان- وقد اندثر فيها علم الحديث وندر من يطلبه، بل وقد مضى ثلاثة قرون على ذهاب غالب مكتباتها على يد التتار، ومن المؤشرات على غرابة وجود المصنف في بغداد وقتها أن مسنِد بغداد السراج القزويني (ت750) في مشيخته الحافلة لم يذكر المصنَّف ضمن مروياته، وإنما ذكر روايته لسنن عبد الرزاق (ص412) من رواية الطبراني عن الدبري عنه، وهذه غير المصنف، بل هو كتاب من تأليف الطبراني كما في المنتخب من معجم شيوخ السمعاني (1/587)، ورواه القزويني بالإجازة لا بالسماع.
فإذا كان هذا حال المصنف ببغداد في القرن الثامن وفيها بقية اشتغال بالحديث، فكيف بالقرن العاشر؟
وغالب كتب السنة المتخصصة التي وصلتنا إنما نُسخت قبل ذلك الوقت، ولم تعد تُنسخ إلا نادراً.
• ثم هنا تساؤلات عن الناسخ، وأين ترجمته، وما حاله؟ كل ذلك لم نجد له جوابا إلا أنه غير متقن! ولو وجد الحميري ترجمة له لأتى بها، فإنه كان في أمس الحاجة إلى ذلك!
• ولنا وقفة في كون ناسخ هذا الكتاب المتخصص خطاطا! فالخطاطون كانوا يكتبون المصاحف ودواوين الشعر وكتب الأدب التي لها طابع شعبي ويهتم باقتنائها الأمراء والأغنياء عمومًا، لذا قد نجد نسخا مخطوطة من صحيح البخاري أو مسلم كتبها الخطاطون ومعروف اهتمام عامة الناس بالصحيحين، بل قد تُقتنى للبركة، أما كتب العلم المتخصصة مثل كتب أصول الفقه والحديث فلم يكن يكتبها إلا طلبة العلم، ولهم طريقة في الكتابة تختلف عن طريقة الخطاطين والوراقين، فقد كان «الخط يوصف بالجودة إذا خرج عن نمط الوراقين» [أدب الكتاب ص50]، وكذلك كانت نُسخ الخطاطين والوراقين تمتاز بأحجامها وتباعد أسطرها وكلماتها، بخلاف النسخ التي كتبها طلبة العلم والعلماء؛ إذ يُحرَص على تراكب الكلمات وتراص السطور كي لا يستطيع أحد أن يدس كلمة أو يعبث بالمخطوط (نحو علم مخطوطات عربي ص69).
إذا تقرر هذا نقول: إن هذا المخطوط كتبه خطاط بلا شك، وليس هو من المخطوطات التي يحرص الخطاطون والوراقون على استنساخها، بل ينسخها أهل الحديث المعنيون بها ولهم نمط في الخط طريقة في الكتابة يختلف عن غيرهم، وكل هذه الأمور لا نلحظها في هذه النسخة المُدعاة.
• وقد يقول قائل: ما ذكرتموه صحيح، ولكن ألا يمكن أن تكتب بعض المخطوطات على خلاف الأصول التي ذكرتموها؟
نقول: ممكن أن يقع الاستثناء في أمر أو أمرين، أما هنا فقد تضافرت أمور كثيرة من شأنها أن تضعف الثقة بهذا المخطوط المزعوم، وهي:
1- كتابة قيد الفراغ.
2- طريقة الكتابة.
3- نمط الخط.
4- جهالة الناسخ المزعوم (إن كان له وجود أصلاً).
5- تفرد بتأدية هذا المخطوط المزعوم إلينا رجل ينتسب إلى طائفة هندية منحرفة أشد الانحراف في مسألة الغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى أن جل الأحاديث المنقولة فيه مما يؤيد بدعته وغلوه، والراوي عنه (الحميري) حاله قريب منه، فالإسناد مسلسل بِـ.....
6- أسانيد الأحاديث ومتونها، وتأتي.
فكل هذه قرائن تزيد من وهن الكتاب الخالي أصلا من أدنى مقومات التوثيق، وقضية التأريخ الهجري تجعلني اطمئن أكثر أنه وُضع في عصرنا الحالي(1).

خامساً:
بدأ الكتاب في هذه النسخة الموضوعة هكذا: باب في تخليق نور محمد صلى الله عليه وسلم، وأضاف الحميري قبله (كتاب الإيمان) من عنده، ثم بدأ كتاب الطهارة، فهل واقع مصنف عبد الرزاق كذلك في التبويبات؟
إن المعلومات التي لدينا تشير إلى أن الباب الأول مفترى جملة وتفصيلاً، فالظاهر أن المصنَّف (الحقيقي) يبتدئ بكتاب الطهارة، فقد نص في كشف الظنون أن الكتاب مرتب على أبواب كتب الفقه، وهي تبدأ بالطهارة، ولما نقل ابن خير الإشبيلي في فهرسته (ص129) عن الحافظ أبي علي الغساني تسمية أبواب المصنف في رواية ابن الأعرابي عن الدبري للكتاب بدأ بكتاب الطهارة، وسرد أبواب الكتاب، وليس فيها كتاب الإيمان ولا ما يمكن أن يدخل تحته باب تخليق نور النبي صلى الله عليه وسلم، ولم أجد أحداً عزا هذين الباب أو الكتاب لعبد الرزاق على مدى الزمن.

سادساً:
صدّر الحميري الكتاب بقوله: "إسنادي إلى مصنف الإمام عبد الرزاق الصنعاني".
وساق سنده بالإجازة، وتصرفه هذا فيه إيهام من لا يعرف الشأن بأن الكتاب الذي بين أيدينا متصل السند، وفيه تغرير بثبوته، وليس كذلك! ولا سيما أن الكتاب موجه في الغالب إلى أمثال الحميري من عوام مشايخ الطرق الذين لا شأن لهم ولا بصر في الحديث.
ومع ذلك فقد وقع الحميري في عدد من الأخطاء والملاحظات في سنده، تدل على جهله حتى في هذا الرسم!
فقد ساق السند من طريق مجيزنا الشيخ عبدالفتاح أبوغدة رحمه الله عن الكوثري، عن عبد الحي الكتاني.
وهذا الحميري لعله يجهل أن شيحه يروي عن عبد الحي الكتاني بلا واسطة! لكنه الغرام بالكوثري إمامه في التلبيس والتدليس ومحاربة السنة!
ومن المشين أن يروي الكتاب عن الشيخ أبي غدة وهو ممن يرى وضع حديث النور! ورفض إخراج الأربعين العجلونية لوروده فيه!
كما روى الحميري عن مجيزنا الشيخ عبد العزيز بن الصديق رحمه الله ونسبَه حُسينياً! وهو حسني! عن عبد الحي بن عبد الكريم (!) الكتاني، وهو ابن عبد الكبير.
وجعل الرواية عن عبد الله بن سالم البصري على (كذا) الزيادي، وهو يريد: علي الزيادي، وبينهما مفاوز! وعليه فسند الحميري ضعيف لانقطاعه! فضلاً عن أوهام صاحبه.
وحرّف عبد الوهاب بن منده إلى ابن منك!
وجعل ابن منده (أو ابن منك في رواية الحميري!) يروي المصنف عن محمد بن عمر الكوكبي عن الطبراني، وهذا غير دقيق، فقد رواه ابن منده عن الكوكبي، وعن أبي بكر محمد بن محمد بن الحسن الفقيه، وعن أبي عثمان سهل بن محمد، سماعاً على ثلاثتهم ملفقاً، عن الطبراني.
أما مسألة تفصيل السماع من الإجازة، ومسألة تحديد روايات قطع محددة من المصنف لم تقع من رواية الدبري عن عبد الرزاق فهذه أمور لا يكلّف بها من هو في مستوى الحميري بالرواية، والله أعلم.
وإزاء عدم ثبوت هذا الجزء المنسوب لمصنف عبد الرزاق، وتفرد الحميري بروايته فينبغي أن يطلق عليه (مصنف الحميري)، والله أعلم.
* * *
وبعد الكلام على المخطوط المزعوم يأتي الكلام على أسانيد ومتون النسخة، والله المستعان، وعليه التكلان.

الكلام على وضع متون وأسانيد النسخة
إن صاحب الحديث المتأمل في النسخة يراها جميعها ما بين إسناد مركب أو متن موضوع.
والواضع المجرم لم يأخذ في حسبانه مسألة هل تجيء الأسانيد كما ذكر؟ ولا مسألة التخريج والمتابعة، وفاته أنه لا يمكن أن يُروى حديث عن الزهري مالك ومعمر وأمثالهم؛ دون أن يكون مسطوراً معروفا في كتب السنة الأخرى، فضلا أن يتفرد عبد الرزاق في القرن الثالث بحديث فرد لا يرويه غيره، فضلا أن حديث عبد الرزاق منتشر مشتهر في الكتب، واستوعب حديثه أمثال الإمام أحمد والطبراني وغيرهما، وما علم أن الحافظ الثقة عبد الرزاق -أو غيره- لو كانت هذه الأسانيد والأحاديث من مروياته حقاً لحكم عليه الحفاظ بالكذب لا الثقة! وأن حديث النور لوحده لو ثبت عن عبد الرزاق لأسقط حديثه كله!
فركّب هذا الوضاع الجاهل الأسانيد كيفما اتفق، واكتفى بمجرد ظن المعاصرة، فكان كشف كذبه سهلا ميسورا ولله الحمد.
هذا عن الأحاديث المروية متونها، أما ما كان غيرها فقد تبيّن أن واضع النسخة أخذ ستة مواضع من الصلوات والأحزاب التي أوردها الجزولي في كتابه دلائل الخيرات، ووضع لها أسانيد عن الصحابة والتابعين وأتباعهم! ويأتي تفصيل ذلك.
وجاء الحميري ليتابع الواضع في كل مفترياته عمداً! ولم ينبه على شيء من ذلك لئلا يُفسد عليه نشوته ومقصوده بإخراج مصنفه المكذوب.
ولن أتتبع جميع أحاديث الكتاب الأربعين، لأنها كلها مركبة: إما الإسناد أو المتن، ولكن أكتفي بالأمثلة الواضحة على الوضع والكذب، وهي تدل على البقية من أخواتها.

اختلاق المتون:
وقبل الكلام عليها ينبغي التذكير أن هذا الحميري قد سوّد في مقدمته الصفحات مؤكدا أن النكارة والركاكة في المتن لا تقتضي وضع الحديث -لعلمه أن أحاديث نسخته كذلك!- محاولاً توعير الطريق على من سينقده ومصنَّفه الموضوع، وختم مقدمته بقوله (ص50): "فتحصل لنا أن الحكم على بعض الألفاظ بالنكارة صعبٌ للغاية، ولا يتأتى إلا للبزل من الرجال، فالصواب أن من استشكل لفظة فلا يسارع بإعلان النكارة، بل يتوقف ويسأل الله فإن فوق كل ذي علم عليم".
ويُجاب باختصار: ليس هذا عشك فادرجي! وليس جهلة الطرقية حجة ولا حكاما على أهل الحديث، ولو تُرك الأمر على ذوقهم وحسّهم للنكارة لما بقي حديث موضوع يوافقهم إلا صححوه! وأمامنا شواهد حية على ذلك في هذا الكتاب قبل غيره.
• وأولها الحديث الأول في النسخة: وهو عن معمر، عن الزهري، عن السائب بن يزيد، وهذه صورته من الكتاب:



قلت: لا شك أن المسلم العاقل يندهش عند رؤية هذا الهذيان والسُّخف منسوباً للنبي صلى الله عليه وسلم، نعم، لم تأت النسبة مرفوعة صراحة في الكتاب، لكنها مرفوعة حُكْماً، لذكر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة فيها، فلا يُقال إنها من الإسرائيليات، والصواب إنها من الهنديات! فالمتن بخيالاتهم وأدبياتهم أشبه، والركاكة والتراكيب الأعجمية واضحة جداً في المتن، وهذا الواضع الجاهل ما عرف كيبف يستر تأخره، وإلا لغيّر تسمية المهن المتأخرة، مثل الرمّاح، والسيّاف، والجلاد، والطرّاز!
وبالطبع فلم يعلّق عليه الحميري حرفاً واحداً، كذلك لم يخرّجه، لماذا؟ لأنه لا يمكن لبشر تخريج هذا الهراء أصلا! حتى من كتب الموضوعات في الحديث! ولو أراد لما وجد شاهداً إلا حديث عرق الخيل الذي لا يجهله الحميري الكوثري!
وقد وجدت الإشارة إلى مطلع هذا الحديث في بعض كتب الرافضة المتأخرة دون إسناد ولا ادعاء أنه حديث!
فهذا مثال لما يجب أن لا يَحكم بنكارته إلا البزل من الرجال؛ كما يقول الحميري! وهذا أول ما في النسخة التي أثبت هو ومتابعُه محمود سعيد ممدوح ثقتها!

• وهذا الحديث الرابع (ص56) هكذا: عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: أخبرني نافع، أن ابن عباس قال: لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظل، ولم يقم مع شمس قط إلا غلب ضوؤه [في المطبوع: ضوءه، وهو يعكس المعنى!] ضوء الشمس، ولم يقم مع سراج قط إلا غلب ضوؤه [في المطبوع: ضوءه أيضا!] ضوء السراج.
قلت: هذا المتن ليس له أصل مرفوعاً، وإنما يذكره المتوسعون في كتب السيرة والخصائص المتأخرة التي يجمع مؤلفوها بين الثابت وما لا يثبت والموضوع وما لا أصل له!
وهذا السيوطي على سعة اطلاعه لم يجد له مخرجاً في الخصائص الكبرى (1/122 العلمية) سوى أن قال: أخرج الحكيم الترمذي من طريق عبد الرحمن بن قيس الزعفراني، عن عبد الملك بن عبد الله بن الوليد، عن ذكوان، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يرى له ظل في شمس ولا قمر ولا أثر قضاء حاجة.
فهذا غاية ما أُسند في الباب، وهو كعدمه، ففيه على إرساله عبد الرحمن الزعفراني، وقد كذّبه ابن مهدي وأبوزرعة وصالح جزرة، وتركه بقية الحفاظ، وشيخه لم أميّزه، وكذا ذكوان، فضلا عن جهالة الوسائط بين الحكيم الترمذي والزعفراني! بل يكفي أن الحكيم تفرد به ليكون غير ثابت حتى على مذهب السيوطي (كما في خطبة الجامع الكبير)، على تساهله المعروف في التضعيف!
فهذا أعلى ما في الباب، ثم يجيء في آخر الزمان من يضع له هذا الإسناد المرفوع الذي ظاهره السلامة؟!
وإنما قلت: ظاهره السلامة لأنه لم تثبت لنافع مولى ابن عمر رواية عن ابن عباس من وجه صحيح، بل ذلك من جملة التركيبات الإسنادية التي تميز بها مصنف الحميري.
أما الحميري هذا فما صدّق أن صحح إسناد كتابه الموضوع حتى بدأ يرد على (البزل من الرجال) ويفوح من فمه ما لا يُقال، فقال (ص57): "فتضعيف الألباني للرواية ليس بجيد، وتعليل الهراس تعليل ساقط يؤدي بالمرء إلى الكفر والعياذ بالله، عافنا (كذا) الله من سوء السرائر وظلمة الضمائر".
قلت: الذي قد يؤدي بالمرء إلى الكفر هو تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإصرار على ترويجه ودسّه بين الناس مع العلم به، عافانا الله من سوء السرائر وظلمة الضمائر!
علماً أن الحميري عزاه لموضع آخر في الخصائص الكبرى حيث لم يُبرز السيوطي إسناد الحكيم الترمذي، ولعل ذاك لئلا تظهر علل الإسناد! وهكذا يكون التدليس!

من التراكيب الأعجمية والمتأخرة، وهي داخلة في اختلاق المتون:
• الحديث رقم (7) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس وجها وأنورهم لوناً.
هذه الصيغة ليست عربية! فاسألوا عنها بريلوية الهند!
• ومثلها الحديث رقم (9) عن سالم بن عبد الله عن أم معبد أنها وصفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان أحلى الناس وأجمله من بعيد، وأجهر الناس، وأحسنه من قريب.
علما أن الوضاع لم ينتبه -وكذا من روّج له- إلى أن رواية سالم عن أم معبد تركيب لا يصح، بل لم يدرك سالم أم معبد أصلا.
وحديث أم معبد لا يُروى بهذا الإسناد، ومتن روايته المطولة: "أجمل الناس"، كما يعبّر العرب.
• وفي رقم (10) عن ابن جريج قال: كان البراء يكثر من قول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آله بحر أنوارك ومعدن أسرارك!
من الظاهر أن ثقافة الواضع متأثرة بالأحزاب والأوراد الصوفية المتأخرة، فهذا الحديث وما بعده أخذه الواضع من دلائل الخيرات للجزولي، كما سيأتي!
كما أن الصلاة على الآل غريبة عن الصحابة والصدر الأول خارج جلسة التشهد!
• وفي رقم (11): عن الحسن أنه قال: من يُكثر من قول "اللهم صلِّ على من تفتّقت من نوره الأزهار" زاد ماء وجهه!
لا شك أن واضعه الرقيع كان بحاجة إلى زيادة ماء وجهه فاخترع هذا الأثر!
• وفي رقم (12): عبد الرزاق أخبرني ابن عيينة عن مالك أنه كان يقول دائماً: اللهم صل على سيدنا محمد السابق للخلق نوره.
يلاحظ أن الواضع بدأ يندمج أكثر مع ثقافته في الأحزاب والأوراد، وتعبير (يقول دائما) و(سيدنا) غريبان عن الصدر الأول! أما قوله السابق للخلق نوره فهو تأييد للباطل الذي من أجله وُضع الكتاب وأُخرج!
• وفي رقم (13) عن سليمان بن يسار، قال: علمني أبوقلابة أن أقول بعد كل صلاة سبع مرات: اللهم صل على أفضل من طاب منه البخار (كذا في المخطوط المتقن! وصوبها الحميري إلى: النُّجار)، وسما به الفخار، واستنارت بنور جبينه الأقمار، وتضاءلت عند جنود (كذا، وجعلها الحميري: جود) يمينه الغمائم والبحار.
تركيبة تنادي على نفسها بالوضع!
• ومثلها رقم (14) عن ابن جريج: قال: قال لي زياد: لا تنس أن تقول بالغدوة والآصال: اللهم صلِّ على من منه انشقت الأنهار (؟!)، وانفلقت الأنوار، وفيه ارتقت الحقائق، وتنزلت علوم آدم.
كأن زياد بن سعد هنا من فلاسفة الطرقية!
• وفي رقم (15) معمر عن ابن أبي زائدة عن ابن عون، قال: علمني شيخي أن أقول ليل نهار: اللهم صل على من خلقت من نوره كل شيء!
فضلا عن المعنى الفاسد الذي اخترع الكتاب لأجله ونُشر: فالواضع يظن ابن عون من قادرية الهند حتى يعبّر قائلا علمّني شيخي! ثم تأمل في عبارة (أقول ليل نهار) وانظر إن كنت تجد مثله في الصدر الأول!
وزعم الحميري في تعليقه أن ابن أبي زائدة هو يحيى -هكذا خبط عشواء- بينما الذي يروي عنه معمر هو زكريا والد يحيى!
• وفي رقم (16) عن سالم أنه قال: علمني سعيد بن أبي سعيد أن أقول دوماً: اللهم صل على كاشف الغمة، ومجلي الظلمة، ومولي النعمة، ومولي الرحمة.
لا جديد: سجعات المتأخرين! وطريقة طرقية العجم في التعليم: علمني أن أقول دوماً!
وغني عن الذكر أن الآثار من (10) إلى (16) لا أصل لها عن أصحابها، بل هي من تفردات مصنف الحميري الموضوع.
• وهنا مثال طريف بسند نظيف، بل قيل فيه إنه أصح الأسانيد! ففي رقم (17): معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه أنه قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم بعيني هاتين، وكان نورا كله، بل نورا من نور الله، من رآه بديهة هابه، ومن رآه مراراً أحبه أشد استحباب!
وهذا الهندي واضع الحديث أثَّرت عليه عجمته، وكأن لم يقرأ في القرآن العربي المبين: (والذين آمنوا أشدُّ حباً لله)!
أما الحميري فقال: إسناده صحيح!

حديث النور المحمدي:
نأتي لموضع الشاهد الذي لأجله أتعب الوضاع نفسه وعرّضها لمقعد النار، وهو رقم (18): عن معمر، عن ابن المنكدر، عن جابر، قال: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أول شيء خلقه


وهذا حديث باطل لا أصل له، لعن الله واضعه، وفيه ما هو مصادم لعدة نصوص صريحة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة في الخلق وغيره، وليس في شيء من كتب الإسلام مسنداً.
• وكان مبتدأ أمر الحديث عند متقدمي الإسماعيلية الباطنية، ففي كتبهم القديمة الكثير من الأحاديث المكذوبة في أن النبي صلى الله عليه وسلم وعليًّا من نور الله، وأن الشيعة (يقصدون أنفسهم) منهما. (انظر أصول الإسماعيلية للدكتور سليمان بن عبد الله السلومي 2/459)
وممن ذكر أصل الحديث قريباً منه علي بن محمد بن الوليد الإسماعيلي الباطني (ت612) في كتابه"تاج العقائد"(ص54 كما في رسالة العطايا) ولكن بلفظ آخر وهو: "إن الله تعالى خلقني وعليّ نوراً بين يدي العرش، نسبح الله ونقدسه قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فلما خلق آدم أسكننا في صلبه، ثم نقلنا من صلب طيب إلى باطن طاهر، لا تحتك فينا عاهة، حتى أسكننا صلب إبراهيم، ثم نقلنا من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية، لا يمسنا عار الجاهلية، حتى أسكننا صلب عبد المطلب، ثم افترق النور من عبد المطلب ثلاثاً، ثلثان في عبد الله، وثلث في أبي طالب، فخرجتُ من ظهر عبد الله، وخرج عليٌّ من ظهر أبي طالب، ثم اجتمع النور مني ومن علي في فاطمة، فخرج منها الحسن والحسين، فهما نوران من نور رب العالمين"!
• ثم تلقف حديثَ الباطنية هذا: ابنُ عربي الحاتمي الأندلسي صاحب وحدة الوجود (ت638) -وهو باطني النظر في الاعتقادات كما قال تلميذه وبلديُّه الحافظ ابن مُسدي- وأورده بلفظه المطول في تلقيح الأذهان (كما في إرشاد الحائر، وخرّجه الحميري من مخطوطة التلقيح 128/أ) وفي الفتوحات المكية (1/119 كما في رسالة العطايا)، قال عبد الله الغماري في إصلاح أبيات البردة (75): "وأول من شهر هذا الحديث ابنُ العربي الحاتمي، فلا أدري عمّن تلقّاه! وهو ثقة(1)، فلا بدَّ أن أحد المتصوفة المتزهدين وضعه".
• ثم سرى الحديث في كتب التصوف والتشيع والسيرة المتأخرة دون إسناد طبعاً! وغاية الأمر أن أحد المتأخرين ممن لا تحقيق له في الحديث نسبه من رواية عبد الرزاق خطأ (على أحسن الظن)، وأقدم من وقفتُ عليه عزاه له: القسطلاني في المواهب اللدنية (1/46) -بينما ذكر الغماري أن السيوطي عزاه له في الخصائص، ولم أهتد له فيه- وسواء كان هذا أو ذاك، فهما توفيا في القرن العاشر، ولم يذكرا إسناد عبد الرزاق.
ثم جاء العجلوني في القرن الثاني عشر وعزاه في كشف الخفاء (1/311) وفي الأوائل الأربعين (19) لعبد الرزاق، ونصَّ في الأربعين أنه لم يقف على إسناده تبعاً للقسطلاني؛ الذي ذكره بلا سند.
ثم تناقل المتأخرون هذا العزو بعضهم من بعض دون نظر ولا تحقيق؛ حتى وصل الأمر إلى أسافل المجرمين فأحبوا أن يلفقوا جزءً يدسُّوه فيه وينسبوه للمصنف! فكان ذلك قصة ظهور مصنف الحميري هذا، والعياذ بالله.
علماً بأن بعض غلاة الطرقية سبقوا إخوانهم البريلوية في محاولة الخروج من هذا المأزق، فوضع أحد الشناقطة له إسناداً كما سيأتي! وجاء المدعو محمد البرهاني فعزاه في تبرئة الذمة (ص9 كما في رسالة العطايا) إلى عبد الرزاق في كتابه جنة الخلد!! ولا وجود لهذا الكتاب أصلاً!
• ولما صار الحديث متداولا في كتب السيرة وتلقفه غلاة المتصوفة والاتحادية؛ واعتقدوا ما فيه من الأباطيل: ألّف بعض أهل العلم محذرين من هذا الحديث المكذوب المصادم للنصوص، فمنهم:
الشيخ محمد أحمد بن عبد القادر الشنقيطي المدني في رسالته: تنبيه الحذاق على بطلان ما شاع بين الأنام من حديث النور المنسوب لمصنف عبد الرزاق، وقد طُبعت بتقديم وموافقة سماحة الشيخ ابن باز.
ومنهم الشيخ عبد الله الغُماري -شيخ محمود سعيد ممدوح الذي قدّم لمصنف الحميري- فألّف رسالة بعنوان: مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر، وقال فيه: "وعزْوه إلى رواية عبد الرزاق خطأ، لأنه لا يوجد في مصنفه، ولا جامعه، ولا تفسيره.. وهو حديث موضوع جزمًا، وفيه اصطلاحات المتصوفة، وبعض الشناقطة المعاصرين ركّب له إسنادًا! فذكر أن عبد الرزاق رواه من طريق ابن المنكدر عن جابر! وهذا كذب يأثم عليه. وبالجملة فالحديث منكر موضوع، لا أصل له في شىء من كتب السُّنّة".
وقال عبد الله الغماري في إصلاح أبيات البردة (75): "قال السيوطي في الحاوي: إنه غير ثابت. وهو تساهل قبيح، بل ظاهر الحديث الوضع، واضح النكارة، وفيه نَفَس صوفي، حيثُ يذكر مقام الهيبة ومقام الخشية، إلى آخر مصطلحات الصوفية.
والعجيب أن السيوطي عزاه إلى عبد الرزاق، مع أنه لا يوجد في مصنفه ولا تفسيره ولا جامعه، وأعجبُ من هذا أن بعض الشناقطة صدّق هذا العزو المخطئ، فركّب له إسناداً من عبد الرزاق إلى جابر، ويعلم الله أن هذا كله لا أصل له.
فجابرٌ رضي الله عنه بريء من رواية هذا الحديث، وعبد الرزاق لم يسمع به، وأول من شهَّر هذا الحديث ابنُ العربي الحاتمي، فلا أدري عمّن تلقّاه! وهو ثقة، فلا بدَّ أن أحد المتصوفة المتزهدين وَضَعه".
وقال عبد الله الغماري في إرشاد الطالب النجيب إلى ما في المولد النبوي من الأكاذيب (ص9 و10): "بيان الأحاديث المكذوبة، منها وهو أشهرها حديث: أول ما خلق الله نور نبيك من نوره يا جابر، عزاه السيوطي في الخصائص الكبرى لمصنف عبد الرزاق، وقال في الحاوي في سورة المدثر من الفتاوى القرآنية: ليس له إسناد يُعتمد عليه. وهذا تساهل كبير من السيوطي، كنتُ أنزهه عنه.
أما أولاً: فالحديث غير موجود في مصنف عبد الرزاق ولا في شيء من كتب الحديث.
أما ثانياً: فإن الحديث لا إسناد له أصلا.
وأما ثالثاً: فإنه ترك بقية الحديث، وهي مذكورة في تاريخ الخميس للديار بكري، ومن قرأها يجزم بأن الحديث مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجاء شخص فيلالي من ذرية الشيخ محمد بن ناصر الدرعي، فألف كتاباً سماه: (التوجيه والاعتبار إلى معرفة القدر والمقدار) وموضوعه الكلام على النور المحمدي، أتى فيه بطامة كبرى! حيث قال في أوله: ومن أدلة سبقيته وأصليته حديث الإمام عبد الرزاق في مصنفه الشهير، عن سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم أحد أعلام المدينة، عن محمد بن المنكدر شيخ الزهري، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: قلت يا رسول الله، بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله قبل الأشياء؟ قال: يا جابر! إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، وذكر بقية الحديث.
وقد تعجبت من وقاحة هذا الشخص وجرأته، حيث صنع هذا الإسناد الصحيح لحديث لا يوجد في مصنف عبد الرزاق ولا غيره من كتب الحديث المسندة! وهذه جرأة غريبة تشبه جرأة الخوارج في وضعهم أحاديث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: (من كذب عليّ فليتبوأ مقعده في جهنم). فأجاب: نحن لا نكذب عليه، ولكن نكذب له؟! ولعل هذا الموريتاني يعتقد أنه كذب للنبي صلى الله عليه وسلم"!
فأقول: انظر إلى تضارب الكذابين، فذاك الشنقيطي اختلق له سنداً، وبينما وضع له الهندي صاحب الحميري سنداً آخر إلى ابن المنكدر! وكلا الكاذبين يصح عنه وصف الغماري بالوقاحة والجرأة!!
وللغماري كلام كثير في تكذيب الحديث، منها في رسالته رفع الإشكال (ص45)، وله مقالات وردود متعددة حول الحديث في مجلة الإسلام المصرية سنة 1353، وإنما أطلتُ في نقل أقواله لأنه شيخ محمود سعيد ممدوح، ومقدّس عنده وعند الحميري، والأول يعرف كلامه ربما أكثر من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأنا أتيقن أنه يعلم حال الحديث من شيخه على أقل الأحوال، لكنه كتم ذلك وتواطأ على ترويج الكذب نفاقاً ومداهنة لسيّده الحميري!
كذلك ألّف أبو عمر محمد العطايا رسالة موجزة عن الحديث.
• وأبطله قبلهم السيوطي في الحاوي في الفتاوي (الفتاوى القرآنية، آخر سورة المدثر 2/43 دار الكتاب العربي) وفي قوت المغتذي، ونص أنه لا سند له وأنه لا يثبت، ومعلوم سعة اطلاع السيوطي.
وضعّفه الشيخ ابن عجيبة المغربي في شرح الحكم العطائية (كما في تنبيه الحذاق)، وممن نص على بطلانه ووضعه وأنه لا أصل له: محمد رشيد رضا في الفتاوى (2/447)، وأحمد الغماري (المقدّس عند الحميري وممدوح) في مقدمة كتابه المغير (6 و7)، والعلامة الشقيري في السنن والمبتدعات (93)، وسماحة الشيخ ابن باز في مقدمته لتنبيه الحذاق، وفي مجموع فتاويه (25/130)، ومحدث العصر الإمام الألباني في السلسلة الصحيحة (1/207 و741 المكتب الإسلامي، 1/258 و820 المعارف)، وعبد العزيز السدحان في كتابه تحت المجهر (66)، وعداب الحمش في كتاب النور المحمدي، وغيرهم.
بل إن بعض رفقاء الحميري وممدوح في أصول الاعتقاد يصرحون بكذب حديث النور، منهم عبد الله الحبشي الهرري، وحسن السقاف، والأخير ألف رسالة مفردة في إبطالها، وهي مطبوعة. (وشهد شاهد من أهله)!
كذلك حدثني الشيخ المطلع الثقة أحمد عاشور المكي ثم المدني -حفظه الله- أنه لما أراد أن يقرأ الأربعين العجلونية على مجيزنا الشيخ عبد الله التليدي المغربي (من كبار أصحاب أحمد الغماري) توقف التليدي عند الحديث المنسوب لعبد الرزاق فيه، ورفض قراءتها وغضب، وقال إنه مكذوب.
وأخبرني عن أحد التلاميذ المقربين من مجيزنا الشيخ عبد الفتاح أبوغدة، أنه قال له: سألت الشيخ عبد الفتاح: لماذا حققت الأوائل السنبلية ولم تحقق الأوائل (الأربعين) العجلونية، مع أن تلك شامية من بلدك؟ فقال: أنا لا أخرجها وقد أورد فيها ذاك الحديث الموضوع، يعني حديث جابر.
• ومن العجائب أن يستدل الحميري بكلامٍ لأحمد الغماري (في حديث آخر) في أن أي حديث يُستنكر لا ينبغي أن يُحكم عليه بالوضع لمجرد ركاكة ألفاظه وغرابته، بينما أحمد الغماري ينص في هذا الحديث بالذات أنه موضوع لا يُشك في وضعه، وأنه مشتمل على ألفاظ ركيكة ومعاني منكرة، فهكذا يكون الهوى المعتاد من الحميري وجماعته!
ومن العار أن يروي الحميري مصنفه من طريق الشيخ عبد الفتاح أوغدة، وهو يعتقد بطلانه ووضعه.
ومن باب تبكيت الحميري وأضرابه: فإن هذا المتن لو لم يكن فيه نكارة فالإسناد إليه لا يُسلَّم بصحته، وإن كان رجاله ثقات، فقد قال إمام الشأن البخاري: ما أعجب حديث معمر عن غير الزهري، فإنه لا يكاد يوجد فيه حديث صحيح!
رواه البيهقي في شعب الإيمان (9/109 رقم 4477 السلفية)

• وللتنبيه، فقد ذكر بعض الناس لهذا الحديث شاهداً!
وهو ما رواه البيهقي في دلائل النبوة (5/483)، فقال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن سِيْماء المقرئ، قدم علينا حاجاً، حدثنا أبوسعيد الخليل بن أحمد بن الخليل القاضي السِّجزي، أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق الثقفي، حدثنا أبو عبيد الله يحيى بن محمد بن السكن، حدثنا حبان بن هلال، حدثنا مبارك بن فضالة، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.بلفظ: «لما خلق الله عز وجل آدم خيَّر لأدم بنيه، فجعل يرى فضائل بعضهم على بعض، قرآني نوراً ساطعاً في أسفلهم. فقال: يا رب! من هذا؟ قال: هذا ابنك أحمد، هو الأول، والآخر، وهو أول شافع».
وعزاه السيوطي في الخصائص الكبرى (1/67 العلمية) لابن عساكر أيضا.
قلت: إسناده ضعيف.
وفضالة فيه لين على صدقه، ونص ابن المديني أن له مناكير عن عبيد الله، وهو شيخه هنا، وتفرُّد فضالة بالحديث في طبقته ومرتبته وعزة مخرجه يوحي بأن هذا الحديث منها.
وشيخ البيهقي له ذكر في المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور (1249) ولم أجد فيه جرحاً ولا تعديلا.
وبقية رجاله ثقات معروفون.
هذا عن حال الحديث رواية، أما دراية فمعنى الأول والآخر في الحديث يُستدل عليه بما أخرجه البيهقي قبله، وفيه: نحن الآخرون الأولون، نحن آخر الأمم وأول من يحاسب.
فهذا معناه -على فرض ثبوته- لا ما يزعمه غلاة المتصوفة من أولية النور المحمدي! وأين هو من ذاك الحديث المكذوب الطويل ليكون شاهداً له؟!
والله تعالى أعلم.
* * *
هذا؛ وبالإمكان التفصيل أكثر في الكلام على متون مصنف الحميري لو تتبعتها كاملة، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق كما أسلفت، وهذا ما ظهر لي خلال مراجعات أيام قلائل، فسبحان من يسّر فضح الكذبة والوضاعين!

من موارد واضع الجزء:
هذه أربع مصادر رئيسية اعتمد عليها الوضاع في تأليف الجزء، ولو تسنى الدراسة المفصلة والتقصي لجميع الأحاديث لظهرت الموارد الأخرى، ولكن حسبنا كشف أهم ما ظهر منها:
أولاً: دلائل الخيرات للجزولي!
اقتطف الواضع منه ستة مواضيع، ثم جعلها آثاراً ذات أسانيد!
• ففي رقم (10): كان البراء يكثر من قول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آله بحر أنوارك ومعدن أسرارك.
وهذه الصيغة بحروفها مأخوذة من الدلائل، فصل في كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، الحزب الثاني، يوم الثلاثاء، (ص20)!
• وفي رقم (11) كان الحسن يُكثر من قولك اللهم صلِّ على نت تفتقت من نوره الأزهار!
وهي كذلك بحروفها (ص23) منه!
• وفي رقم (12): اللهم صل على سيدنا محمد السابق للخلق نوره.
وهي في الدلائل، الحزب الثالث، يوم الأربعاء (ص26)!
وفي رقم (13) اللهم صل على أفضل من طاب منه النجار، وسما به الفخار، واستنارت بنور جبينه الأقمار، وتضاءلت عند جود يمينه الغمائم والبحار.
وهي في الدلائل أيضا، الحزب السابع، يوم الأحد (ص52)!
• وفي رقم (14): اللهم صل على من منه انشقت الأنهار، وانفلقت الأنوار، وفيه ارتقت الحقائق، وتنزلت علوم آدم.
هكذا في مصنف الحميري المطبوع، وهي في الدلائل، الصلاة المشيشية (ص56) انشقت الأسرار بدل الأنهار، وعنده زيادة وهي: وتنزلت علوم آدم فأعجز الخلائق!
وقد فاتت الناسخ فلم يكنمل عنده السجع!
• وفي رقم (16): اللهم صل على كاشف الغمة، ومجلي الظلمة، ومولي النعمة، ومولي الرحمة.
هكذا في طبعة الحميري، وهي في الدلائل، الاحزب الثاني، يوم الأربعاء، (ص22) بلفظ: ومؤتي الرحمة.
ولعل نسخة الوضاع من دلائل الخيرات ليست جيدة، أو لعل عجمة هذا الوضاع أوقعته في التصحيف!
ومن نافلة القول أن الحميري يعلم بوجود هذه المفتريات في دلائل الخيرات، فتجده يخرّج (؟!) منها ويصحح أخطاء نسخته التي زعم إتقانها، فهل يبقى له عذر في عدم معرفة حال أحاديث مصنفه؟
ثانياً: كتب ابن عربي الصوفي!
أخذ منه حديث أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر، فابن عربي أقدم من عُزي الحديث إليه فيما نعم، دون إسناد طبعاً! وقد ساق نفس اللفظ.
ثالثاً: بعض كتب الشيعة المتأخرة:
يدل عليها الحديث الأول الذي مطلعه: إن الله تعالى خلق شجرة ولها أغصان فسماها شجرة اليقين، ثم خلق نور محمد صلى الله عليه وسلم في حجاب.
فذكر أغا بزرك الطهراني الشيعي في الذريعة إلى تصانيف الشيعة (5/163-164) من كتبهم: "695: الجنة والنار، لبعض الأصحاب، قال في أوله بعد الحمد المختصر: "إن الله خلق شجرة ولها أربعة أغصان سماها شجرة اليقين، ثم خلق نور محمد صلى الله عليه وآله في الحجاب" رأيتُ النسخة عند الشيخ عبد الكريم العطار آل الشيخ راضي الكاظمي في الكاظمية".
وجاء في مجلة تراثنا الشيعية (3/96) ضمن دليل مخطوطات مكتبة الحاج هدايتي في قم بإيران: مجموع فيه عدة رسائل كُتبت في القرنين الحادي عشر والثاني عشر، فذكروا منها: "كتاب خلق الأشياء (حديث – عربي) تأليف: (؟) أبواب قصيرة تجمع الأحاديث المروية في خلق الإنسان والملائكة والجنة والنار والموت وما يتعلق بأحوال الإنسان ما بعد موته، أوله: "الحمد لله رب العالمين.. أما بعد: اعلم أن الله خلق شجرة ولها أربعة أغصان فيقال لها شجرة اليقين".
لاحظ أن كلا المصدرين نقلا صدر الحديث الذي في مصنف الحميري بحروفه، وكلاهما دون إسناد، فجاء الوضاع فتلقفه وركّب له إسناداً نظيفا!
علماً أن هذه حديث جابر المزعوم تناقلته مجموعة من كتب الشيعة بطوله مستدلين به على عقائدهم أيضا!
رابعاً: مصنف ابن أبي شيبة:
احتاج له الوضاع ليأخذ متون أحاديث الطهارة، بينما تبرع من عنده بتركيب الأسانيد، ومشّى الحميري جميع ذلك!
• فالحديث رقم (20) من الطهارة في التسمية للوضوء أخذ متنه وطرف سنده من مصنف ابن أبي شيبة (1/2 و3 السلفية) بحروفه، لكن سنده فيه من طريق كثير بن زيد، حدثني ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده.
فبعد أن أخذ الوضاع المتن من هناك احتاج لتأليف سند لهذا المتن، فجعله عن معمر، عن الزهري، عن أبي سعيد الخدري، عن أبيه، عن جده.
هكذا فعل الوضاع الجاهل، لعله لعجمته ظن (ابن) بين عبد الرحمن وأبي سعيد الخدري: (عن)، فحذف ربيح بن عبد الرحمن، وجعل الزهري متابعا له، فوقع في خطأ مركّب! ويأتي مزيد تنبيه على ذلك.
• وهكذا الحديث رقم (21) أتى بلفظ ابن أبي شيبة لحديث سعيد بن زيد في التسمية حرفياً، لكن جعل له إسناداً من عنده لأبي هريرة، وهو بالطبع غير الأسانيد المروية عن أبي هريرة في الباب.
• وحديث رقم (22) جاء بلفظ ابن أبي شيبة (1/3) لحديث أبي سعيد الخدري في القول عند الفراغ من الوضوء، واخترع سندا من عنده.
وفات الوضاع أن عبد الرزاق رواه في مصنفه الحقيقي في موضعين (1/186 و3/378) ولكن بسند آخر عن أبي سعيد ولفظ مغاير!
• أما حديث رقم (23) فجاء كذلك بمتن أثر ابن أبي شيبة عن سالم أبي الجعد عن علي في القول عند الفراغ من الوضوء، أما السند فلعب فيه، والنقل حرفي!
علماً أن عبد الرزاق أخرج الأثر بلفظ وسند آخر عن سالم في مصنفه الحقيقي (1/186)!
• كذلك حديث (24) نقل المتن بحروفه من ابن أبي شيبة (1/4) لحديث عقبة بن عامر في الباب نفسه، أما السند فركبه عن الزهري عن عقبة بن عامر، وانشغل الحميري في الحاشية بالكلام عن إدراك الزهري لعقبة من عدمه!
وهكذا مجموعة من أحاديث الطهارة أُخذت متونها من مصنف ابن أبي شيبة حرفيا، مع أن بعضها رواه عبد الرزاق في مصنفه الحقيقي، ولكن بسند ولفظ مغايران! ولو كان الوضاع عنده بعض علم بالسنّة لنَقَل أسانيد عبد الرزاق وألفاظه، بيد أن حبل الكذب قصير! والكاذب يُحرم التوفيق!

الكلام على الأسانيد:
أولا: الكذب الصراح فيها:
• من ذلك ما جاء في النسخة رقم (2) من قول ابن جريج: أخبرني البراء -الصحابي!
وهذا كذب، فابن جريج من أتباع التابعين، ومع هذا قال الحميري في تعليقه: ابن جريج حافظ ثقة، وكان يدلس، وقد صرح هنا بالإخبار!!
• ومنها ما جاء رقم (28) قال عبد الرزاق: أخبرني الزهري!
وهذا كذب! فعبد الرزاق لم يدرك الزهري أصلا!
فهذا مما جاء من الكذب البيّن في الأسانيد.

ثانياً: تركيب الأسانيد وتلفيقها:
ليس مجرد الثقة والمعاصرة كافيان في قبول الأسانيد بشكل مضطرد، فهناك تراكيب إسنادية لا تجيء ولا تنتظم ولو توفر فيها الأمران، وهذه التراكيب يدركها المحدّث اليقظ العارف الممارس للحديث وأسانيده، ومن يوفقه الله لاحتذاء حذوه، وبطبيعة الحال لا يدركها الطرقي ولا الخرافي!
فمن ذلك ما قاله أحد أئمة هؤلاء الأيقاظ الحافظ أبوحاتم الرازي: عكرمة عن أنس ليس له نظام. (العلل 1/273)
وقال أيضا (1/309): الحسن البصري عن سهل بن الحنظلية لا يجيء.
وقال أيضا (2/158): هذا حديث باطل ليس له أصل، الزهري عن أبي حازم لا يجيء.
وبالتأكيد فإن من هو في مستوى الواضع -ومن روّج له- لا يمكن له إدراك ذلك، فيكشفه الله ويفضحه كما كشف أسلافه من الكذابين والوضاعين.
• فمنها ما جاء رقم (13) من قول عبد الرزاق: أخبرني يحيى بن أبي زائدة.
وهذا تلفيق، فلم أجده من شيوخ عبد الرزاق في المصنف ولا في تهذيب الكمال!
• وفي رقم (22): أخبرني مالك عن يحيى بن أبي زائدة! فهنا روى عن يحيى بواسطة! ومالك لا يروي عن يحيى! ومثله رقم (34)، أما في رقم (15) فروى عن معمر عن ابن أبي زائدة!
• وفي رقم (10) جعل معمرا يروي عن ابن جريج.
وفي رقم (15) روّاه عن ابن أبي زائدة.
وفي رقم (19) روّاه عن سالم بن عبد الله.
وفي رقم (36) روّاه عن الليث، وكل ذلك كذب، فليسو من شيوخ معمر.
ومن ذلك رقم (19): معمر، عن سالم، عن أبي هريرة.
ففيه تركيبان: رواية معمر عن سالم، ورواية سالم عن أبي هريرة.
إلى غير ذلك من التركيبات التي لا تجيء!

ثالثاً: اختلاق المتابعات:
كثير من أحاديث أبواب الطهارة في نسخة الحميري عبارة عن أحاديث معروفة ولكن وردت بأسانيد لا تُعرف، ومن جهل الواضع ومن معه أنه افتعل لأسانيد هذه المتون متابعات موضوعة.
مثل الحديث رقم (20): وهو عن معمر، عن الزهري، عن أبي سعيد الخدري (كذا في النسخة التي زعم الحميري إتقانها!)، عن أبيه، عن جده أبي سعيد في التسمية عند الوضوء.
وراوي حديث التسمية هو حفيد الخدري، واسمه رُبيح بن عبد الرحمن (وليس رويبح كما قال الحميري!)، وهو معروف بهذا الحديث، وتفرد به عنه كثير بن زيد -كما أفاد الإمام أحمد ونص ابن عدي- فمن أين جاءت متابعة الزهري، وهو لا يروي عن ربيح أصلا؟ فهل جهلها الحفاظ متقدمهم ومتأخرهم وادُّخرت معرفتها للحميري ومحمود سعيد ممدوح؟ ومتابعة من؟ الزهري!

رابعاً: مخالفة الأسانيد للثابت من رواية عبد الرزاق:
تقدم على ذلك مثالان في الكلام على أخذ الوضاع المتون من مصنف ابن أبي شيبة، بينما هي في موجودة مصنف عبد الرزاق الحقيقي بلفظ مغاير، وسند آخر! وهكذا يشاء الله أن لا يدع منفذاً لهذا الوضاع إلا وافتضح! وإلا لجاء بمرويات عبد الرزاق كما هي!

أما تعليقات الحميري على الأحاديث:
فإنما تدل على جهله المطبق وتخليطه في السنّة، فتخريجاته لا قيمة لها البتة، يكون المتن في شيء فيخرج شيئا آخر من حديث آخر، لمجرد تشابه في طرف من المتن، أو أن يكون مقارباً لموضوعه، وحسبنا أنه يخرّج بعض الأحاديث من دلائل الخيرات للجزولي! ومن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، ولذلك أكتفي بما سبق نقده من غرائب تعليقاته، فليس هدفي إثبات جهله وخيانته العلمية، فذاك أمر متقرر قبل إخراجه لمصنفه هذا، إنما المقصود إثبات كذب مصنفه برمته، وتحذير الناس مما فيه.
والله من وراء القصد.


الخاتمة
ظهر فيما سبق أن مصنف الحميري بيّن الوضع والتزوير، وأن واضعه مكشوف أنّى اتجه، وأن الحميري استخدم في ترويج هذا الكذب شتى ضروب التدليس والتلبيس والغش والكتمان الخبيث، وتابعه محمود سعيد ممدوح وشكر للحميري صنيعه! وأنه حصل التنبيه بحال المصنف قبل إخراج الكتاب، ولكن لا حياة لمن تنادي.
وظهر أن الحميري تواطأ في نشر هذا الكذب المفترى عبر كتم بعض المعلومات التي تكشف حال مخطوطه، وكذب على الناس في أنه من خط القرن العاشر، وهو يعلم أنه ليس كذلك، وتابعه على ذلك محمود سعيد ممدوح، مع علمه بحال الكتاب أيضا!
فتبين بذلك أنه لا يوثق بهما في دينهما ولا علمهما، ومن استحل الكذب ونشره عن النبي صلى الله عليه وسلم فماذا بقي فيه من خير؟ وليس هذا كذباً عادياً من جنس أكثر الأحاديث الموضوعة، بل فيه نسبة الضلالات والخرافات والأهواء الباطلة إلى سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، إضلالا للمسلمين، ومحاربة للسنة وأهلها، وما ذلك عن أصحاب المصنف بغريب.
فعلى الناس الحذر من كل ما أخرج ويُخرج هذان، فقد أسقطا عدالتهما بأنفسهما، وظهر أنهما من شر دعاة الضلالة والهوى، الذين لا يتورعون عن الكذب وترويجه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى من اغتر بهما أن يعرف حال من يتبع، وإلى أي طريق يدعوان.
• وإنه من غرائب الموافقات أن يخرج مصنف الحميري في الوقت الذي يحارب فيه رسولنا الكريم ويُستهزأ بشخصه ودينه، وقبلها جرت محاولات تحريف القرآن الكريم باسم الفرقان الحق وغيره، نعم، إن تزامن ذلك مع محاولة جديدة من نوعها في تحريف السنة والدس فيها بحاجة إلى تأمل وتدبر، ووقفة ونصرة للسنّة، ولعله لذلك تعمّد تزوير تاريخ طبع الكتاب، وما ذلك ببعيد وقد علمنا أن مصنف الحميري كله مزوّر، والله المستعان.
• وليعلم القارئ أنني إن شددت العبارة مع هؤلاء المجرمين فما ذاك إلا لعظم جريمتهم، وردعاً أن يعودوا هم وأمثالهم لاختراع كتب باطلة ونسبتها للأئمة، فضلا عن الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله من وراء القصد.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وكف عنا وعن المسلمين شرور المفسدين، والضالين المضلين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

كتبه أفقر العباد
محمد زياد بن عمر التكلة

0 comments: