غزة – هل يقتل المجاهد نفسه إذا تيقن الأسر؟ قضية فقهية قد برزت بقوة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، بعد أن صرح عدد من المجاهدين بنيتهم الإقدام على قتل أنفسهم إذا علموا يقينا أنهم سيؤسرون خوفا من إفشاء الأسرار.
وقد سبق أن أثيرت القضية في واقعة مشابهة إبان الثورة الجزائرية، حينما أمعن الفرنسيون في تعذيب المقاومين الجزائريين وطلب بعض هؤلاء الحكم الشرعي في جواز قتل أنفسهم مخافة إفشاء الأسرار، فأفتى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي السعودية الراحل في الفتوى رقم 1479 بجواز ذلك، مستندا إلى ارتكاب اخف الضررين، حيث إنه " مقتول لا محالة" حسب تعبير الفتوى..
إسلام أون لاين.نت" وضعت القضية على طاولة فقهاء فلسطين الذين أباح بعضهم للمجاهد الذي تيقن الأسر قتل نفسه بشروط، بينما حرَّم آخرون عليه ذلك تحت أي ظرف من الظروف.
بداية يقر الدكتور ماهر السوسي نائب عميد كلية الشريعة والقانون أن مسألة قتل الأسير نفسه لم تعالج من قبل الفقهاء القدامى بالشكل المطروح الآن، "لكن أقرب شيء يمكن أن تقاس عليه هي ما سماه الفقهاء "مسألة قتل الترس"، أي قتل من تترس من الكفار بالمسلمين.
وقال: "هناك رأي قوي للفقهاء بجواز رمي الكفار الذين تترسوا بالمسلمين، حتى لو أدى الرمي إلى قتل المسلمين، إذا كان في هذا الفعل حفاظا على المصلحة العامة للمسلمين، استنادا إلى القاعدة العامة بالإسلام التي تقرر أن الحفاظ على المصلحة العامة أولى من الحفاظ على المصلحة الخاصة، ومن باب دفع الضرر الأشد بالضر الأخف".
يجوز.. مع التحفظ!
وأضاف: "بناء على ذلك لو كان المجاهد الذي تيقن الأسر يعلم أنه لو أُسر فإن هذا الأسر سيعود بالضرر على مجموعة المسلمين؛ لاحتفاظه بأسرارهم، ويخاف أن تُنتزع منه؛ لشدة التعذيب أو ما يشابهه، فإنه يجوز له قتل نفسه".
وشدد على أن "قتل النفس في هذه الحالة لا يعد (انتحارا)، فهذا ليس انتحارا؛ لأن الانتحار هو اعتراضٌ على قدر الله سبحانه وتعالى، كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينهى عن الانتحار، أما هذا الشخص فهو يقتل نفسه حفاظا على المصلحة العامة للمسلمين".
ولفت الدكتور السوسي إلى أن "من قتل نفسه لمجرد الخوف من التعذيب أو للنكاية بالأعداء، فإننا في هذه الحالة نقول بالجواز، ولكن مع التحفظ؛ لأن موضوع النكاية بالعدو وخشية التعذيب، يحتاج إلى درجة عالية من التأكد واليقين"، وأضاف "لكن مع الكراهة نقول بهذا الأمر".
وشدد على أن هذه الأمور جميعا يقدرها من توقع الأسر، ويجب أن يكون موضوعيا وواقعيا في تقديره، ولا ينساق وراء تخمينات لا أساس لها من الصحة؛ لأن الأمر يتعلق بحياة الإنسان الذي حرم الله الاعتداء عليها بكثير من النصوص الحازمة والجازمة بهذا الأمر".
من ناحيته يشدد الدكتور بسام العف المتخصص في الفقه المقارن، على أن قتل الإنسان لنفسه في الأصل محظور، للنصوص التي تحظر هذا الفعل، منها قوله تعالى "ولا تقتلوا أنفسكم"، وقوله "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، والحديث في صحيح مسلم "أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه فلم يصل عليه".
ويستدرك الدكتور بسام العف قائلا: "يمكن أن يستثنى من المنع حالة ما إذا خاف المسلم الأسر، وعنده أسرار هامة للمسلمين، وهذه الأسرار يُترتب على إفشائها للعدو استباحة بيضة المسلمين، وكان متيقنا أو غلب على ظنه (أي المجاهد) أن العدو سوف يطلع على هذه الأسرار، ويحدث ضررا بينا بصفوف المقاتلين، فله أن يقتل نفسه، ويرجى أن يعذره الله بنيته الصالحة ويغفر له".
وشدد على أن هذا القتل "لا يُسوى بمن قتل نفسه سخطا على قضاء الله، وجزعا من المصيبة، فهذا هو الذي تُوعد بأن يعذبه الله بالنار بما قتل به نفسه، كما في الحديث المعروف "من قتل نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
قياسا على التترس
وبرر العف قوله بالجواز " تخريجا على قول جمهور الفقهاء بجواز قتل الكفار إذا تترسوا بالمسلمين، ولو تأكدوا أن المسلمين سيقتلون معهم، هذا بجامع المصلحة العامة، وتقديم مصلحة المسلمين على مصلحة فرد أو مجموعة، وتطبيقا لقاعدة (يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام).
وأوضح أن "من فروع هذه القاعدة التي ذكرها بعض علماء المالكية، جواز إلقاء شخص في البحر(ضرر خاص) لخفة ثقل السفينة المشرفة على الغرق بطريق القرعة؛ لأجل نجاة ركابها (ضرر عام)".
وشدد مستدركا "لكن لا يجوز أن يقدم الإنسان على قتل نفسه إذا كان لديه أسرار، لكنها ليست خطيرة، ولا تحدث بالمسلمين ضررا بينا.. وقضية الاعتراف تحت التعذيب قضية نسبية تختلف من شخص لآخر".
شروط القتل
ووضع أستاذ الفقه المقارن مجموعة من الاشتراطات تُقيد من يُقدم على هذا الفعل، "منها أن يكون الضرر البين الذي يحدثه بإفشاء الأسرار أعظم من مصلحة المحافظة على النفس، وضرر إهدارها".
وأضاف "يُشترط أيضا أن يتيقن (المجاهد) أو يغلب على ظنه أن العدو سوف يطلع على هذه الأسرار، أما إذا كان يعلم من نفسه أنه يتكتم، ويصبر ويتصبر، ويتحمل الإيذاء، فلا يجوز له أن يقدم على ذلك".
إباحة العف للمجاهد قتل نفسه اقتصر عند خوف (المجاهد) من إفشاء الأسرار التي تلحق الضرر بالمسلمين، أما أن يكون القتل لكره الأسر والتعذيب، أو لإحداث النكاية بالعدو وسلبه أي فرصة للفرح بالظفر بأحد المجاهدين، فرأى العف بعدم جواز قتل المجاهد نفسه لهذين السببين، مخالفا لرأي الدكتور السوسي.
وقال: "إن فتح هذا الباب لمثل هذه الحالات شرٌ عظيم، فسدُ الذرائع في هذا الموضوع أولى، ولا ينبغي أن يُتوسع في مثل هذا الأمر، خاصة أن قضية قتل الإنسان لنفسه أمرٌ محظور في الأصل ويعد كبيرة من الكبائر الموجبة للعذاب في نار جهنم".
كل بقدره!
بدوره يؤكد الدكتور زياد مقداد أستاذ أصول الفقه في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة أن الأصل بالمجاهد أن يقوم بمحاولة صد الاعتداء وإحداث النكاية من قتل أو إصابة في الأعداء بكل ما يستطيع فيَقتل ويُقتل.. أما إذا تيقن أو غلب على ظنه أنه سيُأسر، ففي هذه الحالة، هناك اختلاف من شخص إلى آخر".
ويقول شارحا: "إن كان الشخص الذي سيُأسر على مستوى رفيع في المقاومة، بمعنى أنه قائد كبير، ولديه معلومات فيها من الخطورة الكبيرة التي تعود بالضرر، يُخشى أن تصل إلى الأعداء بهذا الأسر، ويخاف على نفسه ألا يثبت أمام تحقيقاتهم وتعذيبهم، ففي هذه الحالة يمكن أن نفتيه باجتهاده هذا بأن يقتل نفسه، ولا يكون مجبرا، ويمكن تفهم ذلك، ويكون إن شاء الله شهيدا؛ لأنه إنما قصد بذلك الحفاظ على مصالح المسلمين".
ويضيف مستدركا "لكن إن كان شأن هذا المجاهد بحيث إذا أُسر لا يترتب على أسره فضح أسرار للمسلمين والمقاومة، أو كان بإمكانه ويعلم من شأن نفسه أنه يثبت ويصمد أمام تعذيبهم وتنكيلهم وتحقيقهم فلا أجد له عذرا في أن يقتل نفسه".
وأشار أستاذ أصول الفقه إلى أن قوله بالجواز اعتمد على قاعدة الموازنة بين المصالح "ثم إن هذا المجاهد يُعتبر من قبيل الاستشهادي في هذه العملية، يُقدم نفسه رخيصة من أجل مصالح أعظم، ربما يترتب عليها قتل نفوس كثيرة، أو هزيمة لأمة أو لجيش مسلم، وقياسا على مشروعية الاستشهاديين الذين يفجرون أنفسهم".
ولم يجز الدكتور مقداد للمجاهد الذي تيقن الأسر بقتل نفسه للنكاية بالعدو إلا "إذا كان المجاهد يمثل رمزية معينة، وعلى مستوى رفيع من القيادة، وأسره سيؤدي إلى أضرار كبيرة وخطيرة بالجيش وبالمسلمين، ففي هذه الحالة ربما يكون تضحيته بنفسه لها ما يبررها، والله ،علم".
وحرم مقداد أن يقدم المجاهد على قتل نفسه إذا أيقن الأسر لمجرد تفضيله للموت على الأسر "فهذا ليس مبرر، فإن حياة المسلم غالية في نظر الإسلام، وما دام هناك وسيلة للحفاظ على حياته، فلا يجوز له أن يقدم على قتل نفسه، فلعل الله يمن عليه بالحرية والفكاك بعد الأسر".
انتحار
برأي مخالف لسابقيه، وصف الدكتور يونس الأسطل الفقيه الفلسطيني المعروف من يقدم على هذا الأمر بـ "المنتحر"، وقال: "لا أعتقد أنه يجوز لأحد أن يقتل نفسه تحت أي ظرف من الظروف، ولو كان قد وقع في الاعتقال بالفعل، وهو يخشى أن يكره على الإدلاء بمعلومات تضر بإخوانه المجاهدين".
وعدد الأسطل مجموعة من الأسباب تقف وراء تشدده في تحريم قتل المجاهد الذي تيقن الأسر لنفسه بأي حال من الأحوال "أولا لأن الحياة ليست ملكا لصاحبها، بل هي ملك لله وهبها لعباده ليكونوا دائما في طاعته".
"الأمر الثاني أن الإقدام على الانتحار لا يكون إلا عند اليأس من رحمة الله، وهذا اليأس كفر لقوله تعالى {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}"، حسب الدكتور الأسطل.
ولفت إلى أن الخوف من إفشاء الأسرار أمر غير مقطوع به، "فكيف نهدر حياة حقيقية خوفا من أمر مظنون، وقد سبق أن مئات المعتقلين لم يستطع العدو أن ينتزع أسرارهم ولو ماتوا تحت التعذيب فليكن أمثالهم".
وتابع "على فرض أنه (المجاهد) لم يحتمل التعذيب، فأفشى بالإسرار، فهو معذور عند الله؛ لأن الله سبحانه قد رخص في النطق بكلمة الكفر عند الإكراه".
وطالب الأسطل "جميع المجاهدين أن يحرصوا على الاحتفاظ بأسرارهم، وألا يتطلعوا إلى معرفة أسرار الآخرين، فإن هذا يعينهم لو وقعوا في الأسر على احتمال الأذى؛ لأنهم لا يملكون كثيرا من الأسرار التي يتخوفون من كشفها".
ورفض قياس قتل المجاهد لنفسه للنكاية بالعدو لئلا يظفروا بالمعلومات على ظاهرة الاستشهاديين وقال: "لا يمكن قياس ذلك على ظاهرة الاستشهاديين؛ لأن تلك الظاهرة إنما رخصنا فيها لعدم القدرة على إحداث نكاية كبرى في العدو بغيرها".
وأضاف "لكن حينما تمكنا من تصنيع الصواريخ قلت الحاجة إلى الاستشهاديين؛ لذلك فالسنوات الثلاث الأخيرة لم يكن فيها أي من العمليات الاستشهادية، وأسأل الله أن لا نعود إلى الحاجة إليها ثانية، فإن فيها تضحية بشاب أو أكثر من خيرة شباب المقاومة تعبئة وتدريبا، ونحن في أمس الحاجة إليهم".
صحفي فلسطيني
وقد سبق أن أثيرت القضية في واقعة مشابهة إبان الثورة الجزائرية، حينما أمعن الفرنسيون في تعذيب المقاومين الجزائريين وطلب بعض هؤلاء الحكم الشرعي في جواز قتل أنفسهم مخافة إفشاء الأسرار، فأفتى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي السعودية الراحل في الفتوى رقم 1479 بجواز ذلك، مستندا إلى ارتكاب اخف الضررين، حيث إنه " مقتول لا محالة" حسب تعبير الفتوى..
إسلام أون لاين.نت" وضعت القضية على طاولة فقهاء فلسطين الذين أباح بعضهم للمجاهد الذي تيقن الأسر قتل نفسه بشروط، بينما حرَّم آخرون عليه ذلك تحت أي ظرف من الظروف.
بداية يقر الدكتور ماهر السوسي نائب عميد كلية الشريعة والقانون أن مسألة قتل الأسير نفسه لم تعالج من قبل الفقهاء القدامى بالشكل المطروح الآن، "لكن أقرب شيء يمكن أن تقاس عليه هي ما سماه الفقهاء "مسألة قتل الترس"، أي قتل من تترس من الكفار بالمسلمين.
وقال: "هناك رأي قوي للفقهاء بجواز رمي الكفار الذين تترسوا بالمسلمين، حتى لو أدى الرمي إلى قتل المسلمين، إذا كان في هذا الفعل حفاظا على المصلحة العامة للمسلمين، استنادا إلى القاعدة العامة بالإسلام التي تقرر أن الحفاظ على المصلحة العامة أولى من الحفاظ على المصلحة الخاصة، ومن باب دفع الضرر الأشد بالضر الأخف".
يجوز.. مع التحفظ!
وأضاف: "بناء على ذلك لو كان المجاهد الذي تيقن الأسر يعلم أنه لو أُسر فإن هذا الأسر سيعود بالضرر على مجموعة المسلمين؛ لاحتفاظه بأسرارهم، ويخاف أن تُنتزع منه؛ لشدة التعذيب أو ما يشابهه، فإنه يجوز له قتل نفسه".
وشدد على أن "قتل النفس في هذه الحالة لا يعد (انتحارا)، فهذا ليس انتحارا؛ لأن الانتحار هو اعتراضٌ على قدر الله سبحانه وتعالى، كما ورد في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ينهى عن الانتحار، أما هذا الشخص فهو يقتل نفسه حفاظا على المصلحة العامة للمسلمين".
ولفت الدكتور السوسي إلى أن "من قتل نفسه لمجرد الخوف من التعذيب أو للنكاية بالأعداء، فإننا في هذه الحالة نقول بالجواز، ولكن مع التحفظ؛ لأن موضوع النكاية بالعدو وخشية التعذيب، يحتاج إلى درجة عالية من التأكد واليقين"، وأضاف "لكن مع الكراهة نقول بهذا الأمر".
وشدد على أن هذه الأمور جميعا يقدرها من توقع الأسر، ويجب أن يكون موضوعيا وواقعيا في تقديره، ولا ينساق وراء تخمينات لا أساس لها من الصحة؛ لأن الأمر يتعلق بحياة الإنسان الذي حرم الله الاعتداء عليها بكثير من النصوص الحازمة والجازمة بهذا الأمر".
من ناحيته يشدد الدكتور بسام العف المتخصص في الفقه المقارن، على أن قتل الإنسان لنفسه في الأصل محظور، للنصوص التي تحظر هذا الفعل، منها قوله تعالى "ولا تقتلوا أنفسكم"، وقوله "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، والحديث في صحيح مسلم "أُتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه فلم يصل عليه".
ويستدرك الدكتور بسام العف قائلا: "يمكن أن يستثنى من المنع حالة ما إذا خاف المسلم الأسر، وعنده أسرار هامة للمسلمين، وهذه الأسرار يُترتب على إفشائها للعدو استباحة بيضة المسلمين، وكان متيقنا أو غلب على ظنه (أي المجاهد) أن العدو سوف يطلع على هذه الأسرار، ويحدث ضررا بينا بصفوف المقاتلين، فله أن يقتل نفسه، ويرجى أن يعذره الله بنيته الصالحة ويغفر له".
وشدد على أن هذا القتل "لا يُسوى بمن قتل نفسه سخطا على قضاء الله، وجزعا من المصيبة، فهذا هو الذي تُوعد بأن يعذبه الله بالنار بما قتل به نفسه، كما في الحديث المعروف "من قتل نفسه بحديدةٍ فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
قياسا على التترس
وبرر العف قوله بالجواز " تخريجا على قول جمهور الفقهاء بجواز قتل الكفار إذا تترسوا بالمسلمين، ولو تأكدوا أن المسلمين سيقتلون معهم، هذا بجامع المصلحة العامة، وتقديم مصلحة المسلمين على مصلحة فرد أو مجموعة، وتطبيقا لقاعدة (يُتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام).
وأوضح أن "من فروع هذه القاعدة التي ذكرها بعض علماء المالكية، جواز إلقاء شخص في البحر(ضرر خاص) لخفة ثقل السفينة المشرفة على الغرق بطريق القرعة؛ لأجل نجاة ركابها (ضرر عام)".
وشدد مستدركا "لكن لا يجوز أن يقدم الإنسان على قتل نفسه إذا كان لديه أسرار، لكنها ليست خطيرة، ولا تحدث بالمسلمين ضررا بينا.. وقضية الاعتراف تحت التعذيب قضية نسبية تختلف من شخص لآخر".
شروط القتل
ووضع أستاذ الفقه المقارن مجموعة من الاشتراطات تُقيد من يُقدم على هذا الفعل، "منها أن يكون الضرر البين الذي يحدثه بإفشاء الأسرار أعظم من مصلحة المحافظة على النفس، وضرر إهدارها".
وأضاف "يُشترط أيضا أن يتيقن (المجاهد) أو يغلب على ظنه أن العدو سوف يطلع على هذه الأسرار، أما إذا كان يعلم من نفسه أنه يتكتم، ويصبر ويتصبر، ويتحمل الإيذاء، فلا يجوز له أن يقدم على ذلك".
إباحة العف للمجاهد قتل نفسه اقتصر عند خوف (المجاهد) من إفشاء الأسرار التي تلحق الضرر بالمسلمين، أما أن يكون القتل لكره الأسر والتعذيب، أو لإحداث النكاية بالعدو وسلبه أي فرصة للفرح بالظفر بأحد المجاهدين، فرأى العف بعدم جواز قتل المجاهد نفسه لهذين السببين، مخالفا لرأي الدكتور السوسي.
وقال: "إن فتح هذا الباب لمثل هذه الحالات شرٌ عظيم، فسدُ الذرائع في هذا الموضوع أولى، ولا ينبغي أن يُتوسع في مثل هذا الأمر، خاصة أن قضية قتل الإنسان لنفسه أمرٌ محظور في الأصل ويعد كبيرة من الكبائر الموجبة للعذاب في نار جهنم".
كل بقدره!
بدوره يؤكد الدكتور زياد مقداد أستاذ أصول الفقه في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة أن الأصل بالمجاهد أن يقوم بمحاولة صد الاعتداء وإحداث النكاية من قتل أو إصابة في الأعداء بكل ما يستطيع فيَقتل ويُقتل.. أما إذا تيقن أو غلب على ظنه أنه سيُأسر، ففي هذه الحالة، هناك اختلاف من شخص إلى آخر".
ويقول شارحا: "إن كان الشخص الذي سيُأسر على مستوى رفيع في المقاومة، بمعنى أنه قائد كبير، ولديه معلومات فيها من الخطورة الكبيرة التي تعود بالضرر، يُخشى أن تصل إلى الأعداء بهذا الأسر، ويخاف على نفسه ألا يثبت أمام تحقيقاتهم وتعذيبهم، ففي هذه الحالة يمكن أن نفتيه باجتهاده هذا بأن يقتل نفسه، ولا يكون مجبرا، ويمكن تفهم ذلك، ويكون إن شاء الله شهيدا؛ لأنه إنما قصد بذلك الحفاظ على مصالح المسلمين".
ويضيف مستدركا "لكن إن كان شأن هذا المجاهد بحيث إذا أُسر لا يترتب على أسره فضح أسرار للمسلمين والمقاومة، أو كان بإمكانه ويعلم من شأن نفسه أنه يثبت ويصمد أمام تعذيبهم وتنكيلهم وتحقيقهم فلا أجد له عذرا في أن يقتل نفسه".
وأشار أستاذ أصول الفقه إلى أن قوله بالجواز اعتمد على قاعدة الموازنة بين المصالح "ثم إن هذا المجاهد يُعتبر من قبيل الاستشهادي في هذه العملية، يُقدم نفسه رخيصة من أجل مصالح أعظم، ربما يترتب عليها قتل نفوس كثيرة، أو هزيمة لأمة أو لجيش مسلم، وقياسا على مشروعية الاستشهاديين الذين يفجرون أنفسهم".
ولم يجز الدكتور مقداد للمجاهد الذي تيقن الأسر بقتل نفسه للنكاية بالعدو إلا "إذا كان المجاهد يمثل رمزية معينة، وعلى مستوى رفيع من القيادة، وأسره سيؤدي إلى أضرار كبيرة وخطيرة بالجيش وبالمسلمين، ففي هذه الحالة ربما يكون تضحيته بنفسه لها ما يبررها، والله ،علم".
وحرم مقداد أن يقدم المجاهد على قتل نفسه إذا أيقن الأسر لمجرد تفضيله للموت على الأسر "فهذا ليس مبرر، فإن حياة المسلم غالية في نظر الإسلام، وما دام هناك وسيلة للحفاظ على حياته، فلا يجوز له أن يقدم على قتل نفسه، فلعل الله يمن عليه بالحرية والفكاك بعد الأسر".
انتحار
برأي مخالف لسابقيه، وصف الدكتور يونس الأسطل الفقيه الفلسطيني المعروف من يقدم على هذا الأمر بـ "المنتحر"، وقال: "لا أعتقد أنه يجوز لأحد أن يقتل نفسه تحت أي ظرف من الظروف، ولو كان قد وقع في الاعتقال بالفعل، وهو يخشى أن يكره على الإدلاء بمعلومات تضر بإخوانه المجاهدين".
وعدد الأسطل مجموعة من الأسباب تقف وراء تشدده في تحريم قتل المجاهد الذي تيقن الأسر لنفسه بأي حال من الأحوال "أولا لأن الحياة ليست ملكا لصاحبها، بل هي ملك لله وهبها لعباده ليكونوا دائما في طاعته".
"الأمر الثاني أن الإقدام على الانتحار لا يكون إلا عند اليأس من رحمة الله، وهذا اليأس كفر لقوله تعالى {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}"، حسب الدكتور الأسطل.
ولفت إلى أن الخوف من إفشاء الأسرار أمر غير مقطوع به، "فكيف نهدر حياة حقيقية خوفا من أمر مظنون، وقد سبق أن مئات المعتقلين لم يستطع العدو أن ينتزع أسرارهم ولو ماتوا تحت التعذيب فليكن أمثالهم".
وتابع "على فرض أنه (المجاهد) لم يحتمل التعذيب، فأفشى بالإسرار، فهو معذور عند الله؛ لأن الله سبحانه قد رخص في النطق بكلمة الكفر عند الإكراه".
وطالب الأسطل "جميع المجاهدين أن يحرصوا على الاحتفاظ بأسرارهم، وألا يتطلعوا إلى معرفة أسرار الآخرين، فإن هذا يعينهم لو وقعوا في الأسر على احتمال الأذى؛ لأنهم لا يملكون كثيرا من الأسرار التي يتخوفون من كشفها".
ورفض قياس قتل المجاهد لنفسه للنكاية بالعدو لئلا يظفروا بالمعلومات على ظاهرة الاستشهاديين وقال: "لا يمكن قياس ذلك على ظاهرة الاستشهاديين؛ لأن تلك الظاهرة إنما رخصنا فيها لعدم القدرة على إحداث نكاية كبرى في العدو بغيرها".
وأضاف "لكن حينما تمكنا من تصنيع الصواريخ قلت الحاجة إلى الاستشهاديين؛ لذلك فالسنوات الثلاث الأخيرة لم يكن فيها أي من العمليات الاستشهادية، وأسأل الله أن لا نعود إلى الحاجة إليها ثانية، فإن فيها تضحية بشاب أو أكثر من خيرة شباب المقاومة تعبئة وتدريبا، ونحن في أمس الحاجة إليهم".
صحفي فلسطيني
0 comments:
Post a Comment